جاءت زيارة أوباما للقاهرة , وجاء خطابه من جامعة القاهرة صفعة على وجهي ووجه كل المتفائلين . بحق , تركتهم في حيرة من أمرهم , حتى أننا عجزنا عن تقييم الخطاب بشكل سليم .
وها أنا ذا منذ أربعة أيام أحاول جاهداً فهم فحوى الخطاب , كي أتمكن من استخلاص نتائج ومبادئ وروئً من كلماته المعسولة , وكلما أعدت تشغيل الخطاب المسجل فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً , بالفعل كان خطاباً في العلاقات العامة ولم يكن هو ذا المنشود منه , حيث جاء الخطاب عائماً مائعاً لا جديد فيه سوى ما عرفناه من الإعلام الغربي والعربي بشتى وسائله : " أوباما يفتح صفحة جديدة مع العالم العربي والإسلامي " , هذا هو كل ما نستطيع تلمسه من خلال الخطاب , وقد عجبت كثيراً حين رد البعض بأن هذا يكفي , ولا نتوقع غير ذلك , إلا أني أتسائل , إذا كان ذلك كذلك , فلم ضجت وسائل الإعلام بوعود أوباما المقبلة , ولماذا كتبت " هآرتس " و " معاريف " وكل الصحف البريطانية – عدا " الإندبندنت " – عن تفاصيل مبادرة أمريكية تضع نقاطاً كثيرة فوق حروفاً كثيرة , وتؤطر شكل العلاقات بين أمريكا والوطن العربي والإسلامي .. ؟؟؟
ولما كان الخطاب لم يكن ذي أهمية بالنسبة لي , فقد انصرف ذهني للتفكير في أمر آخر , وهو بحث تداعيات الزيارة , وخصوصاً شأن تجميل وتزيين شوارع القاهرة التي هي خط سير الرئيس الأمريكي .
سخر البعض من هذا الأمر , أمر التجميل , وانتقد البعض الآخر أمر الإزالة, إزالة التجميل , وكانت أسباب هؤلاء الناقمين على أمر الإزالة هو أنه لماذا لا يعيش الشعب المصري في حالة من الجمال والنظافة الدائمة ؟؟؟ وللحق , فإن للحكومة تصرف غريب في هذا الأمر , فقد اعتمدت على شركات أجنبية لتزيين الشوارع والمدن وتنظيفها , وليس هذا هو مربط الفرس , وإنما لابد من التركيز على الوعي الجمالي لدى الجمهور , فهذا هو الأساس فيما أعتقد , والدليل أن غرس قيم الجمال بكل تفريعاتها داخل قلب وعقل كل مواطن سيفضي حتماً لنتيجة إيجابية , ويبدو أننا سنتطرق إلى مسألة " الإنتماء " بشكل أو بآخر , إلا أنني أفضل تجنبها .. !!!
الأمر معقد بعض الشئ , فإن غرس القيم الجمالية في شعب تعود على الإهمال واللامبالاة هو أشبة بحفر مجاري للسيول وسط جبال صخرية بواسطة إبرة حياكة , لذلك كان من الضروري أن تقوم جهات بوضع قوانين صارمة من أجل هذا الشان , وجهات أخرى بتطبيق آليات الردع والعقاب لكل من يخرج عن إطار تلك القوانين , ويراعى في الجهات التنفيذية أن تكون بالصرامة والقوة والبطش التي تؤهلها لتنفيذ ما جاءت من أجله , وهي على كل حال ستكون مرحلة انتقالية حتى يعتاد رجل الشارع على إتباع القوانين دون الخوف من أي جهة رقابية .
وقد يعترض البعض على أن غرس البذور الجمالية بالقوة أمر مخالف لكل عقائد الحرية في شتى الدول المتحضرة المتحررة , وللحق فإن لهم بعض الحق في اعتراضهم , إلا أنني أعدم أي وسائل أخرى يكون لها ذات الفاعلية في أقصر الأوقات .
==============
ولفت نظري أمر آخر , الغرض الرئيسي من عملية التزيين نفسها , هل ليلحظ الزائر ذلك التقدم الذي تحيا فيه البلاد .. ؟؟ لا أعتقد , فالجميع يعلم كل شئ عن أي شئ في ظل عصر التقدم التكنولوجي والسماوات المفتوحة , ويعلم المواطن الأمريكي العادي أننا نعاني في القرن الواحد والعشرين من مشكلات القمامة .. !!! فلمَ تذهب الملايين في رسم صورة يعلم كل من يراها أنها مزيفة .. ؟؟!!!
يبدو أننا نعاني خللاً في طرائق التفكير , ودروب العمل , وأساليب الحياة . ولا إجابة يمكن أن تبرر ذلك الخلل بأي وجه , وإنما نجد الصمت من حولنا يضفي بشراسته لمحة غموض تخيم على حياتنا جميعاً .
أحمد عبد الحي شلبي
8 – 6 – 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق