2011-04-24

المهرجان ( 1 )

في إحدى فصول مدرسة المهندس / احمد الشيمي الابتدائية الحكومية , بدأت فعاليات مهرجان الاقتراع العام لانتخابات مجلس الشعب لعام 2010 في جمهورية مصر العربية , وفي الثامنة والنصف صباحاً بدأ الحاج " على عبد الرحمن " رحلته الانتخابية المعتاده كل خمس سنوات إن لم تقع أية انتخابات تكميلية خلالها , بدأ بمدرسة المهندس الشيمي , وانطلق يلقى التحيات على المدرسين وأمناء الشرطة الذين انشغلوا في احتساء الشاي وتناول بعض السندوتشات , على الرغم من بدأ فعاليات المهرجان رسمياً , وها هو الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " - كما يحب أن يُطرح اسمه - يلحق بالحاج " على عبد الرحمن " قبيل صعوده الدرجه الأولى من السلم المؤدي إلى لجنته التي عرف مكانها مسبقاً , صاح الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " منادياً على الحاج " على عبد الرحمن " ملوحاً له بأن ينتظره , تهلل الحاج " على " لرؤية الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " الذي اختزن  يومه الوحيد المتبقى من رصيد أجازاته لهذا اليوم , بعد أن استنفذ رصيده بالكامل في إجازة أسبوعي العسل منذ خمس وأربعون يوماً .

لحق الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " بالحاج " على عبد الرحمن " عند درجة السلم الثانية , تصافحا , وأبدى الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " عجبه بسبب بدأ الحاج " على " بالانتخاب في مدرسة المهندس الشيمي بدلاً من مدرسة النصر الإعدادية بنات الكائنة بجوار منزل الحاج " على " ... لا عجب .... فالحاج " على " يمتلك وحده خمسة أصوات في أربعة مقار انتخابية , اللهم لا حسد , وكانت دورة الحاج " على " للانتخاب معتادة ومعروفة , يبدأ بمدرسة النصر الاعدادية بنات المجاورة لمنزله , ثم يعود إلى المنزل على مسافة بضعة خطوات ليستقل سيارته الفيات  " 128 " ويسرع إلى مبنى " السيما القديمة " حيث يتحول إلى مقر انتخابي , يدلي بصوته ثم يتلكأ قليلاً حتى تأتي الساعة الحادية عشر ليذهب إلى مدرسة المهندس أحمد الشيمي , يظل الحاج " على " من الساعة التاسعة والربع تقريباً على الساعة الحادية عشر متفقداً أحوال اللجان والمدارس التي لا صوت له فيها , مطمئناً على سلامة سير العملية الانتخابية , ومضيعاً الوقت حتى الساعة الحادية عشر , فالحادية عشر بالتمام يصل الرائد " كمال الأنصاري " إبن المعلم " حسين الأنصاري " زميل وصديق الحاج " على " منذ أكثر من أربعون عاماً , يصل الرائد " كمال الأنصاري " إلى مقره المعتاد بمدرسة الشيمي في الساعة الحادية عشر , وينتظر الحاج " على " وصوله ليسهل له إجراءاً بسيطاً للغاية , فإسم الحاج هو : " على سيد عبد الرحمن منصور " , بينما صوته بالمدرسة تم تسجيل بإسم : " على سيد عبد الرحمن منظور " . والتوسط من أجل تسهيل الانتخاب رغم وجود هذا الخطأ هي مهمة الرائد " كمال الأنصاري " الدورية . ولكن الرائد " كمال الأنصاري " اتصل بالحاج " على " , وكل من على شاكلته وظروفه , قبل يوم المهرجان ليعلمهم انه سيصل على المقر في الساعة الثامنة بالتمام حيت سينتقل في العاشرة والنصف إلى مدرسة أخرى , ولهذا , طرأ هذا التغيير الطفيف على برنامج الحاج " على " للاقتراع كل مهرجان .
         
زال عجب الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " حين أخبره الحاج " على " بهذه القصة , وانطلقا فوق السلم صعوداً , وأكمل الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " صعوده للطابق الثالث وحده , حيث تركه الحاج " على " ليدخل لجنته بالطابق الثاني , ودخل الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " لجنة رقم " 38 " وأبرز الكارت الانتخابي المدون به بياناته كاملة : إسم الناخب , رقم الناخب , المقر الانتخابي , إسم الشياخة , رقم اللجنة  . تقدم عبر باب اللجنة أو الفصل الدراسي مجتازاً أمين الشرطة خارج باب اللجنة , وألقى التحية على عم " حسن الفوال " الجالس أمام باب اللجنة معلقاً رسغه فوق مقبض الباب الخشبي الرمادي المهلهل , ورد عليه التحية بابتسامة عريضة ولوح له بكف يده العالق فوق المقبض دون أن يرفعه . تقدم إلى المنضدة الجالس عليها ثلاثة مدرسين , لا يعرف منهم سوى الأستاذ " إبراهيم " مدرس الرياضيات بمدرسة الفجر الثانوية بنين التابعة للقرية المجاورة لهم , ألقى عليه التحية فردها , وتناول منه الكارت الانتخابي , وبدأ البحث بالكشوف الانتخابية على اسم الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " .

 لم يلحظ الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " تلك النظرة الجانبية التي خطفها الأستاذ " إبراهيم " نحو عم " حسن الفوال " , والتي لم تستغرق خمسة ثوان , وبعد أن أنهى الأستاذ " إبراهيم " بحثه , أخبر الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " بعدم وجود اسمه بالكشف , ألح الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " على الأستاذ " إبراهيم " بإعادة البحث , فمن المؤكد أن هناك خطأ ما , إن هذا المقر لم يتغير منذ ما يقرب من خمسة عشر عاماً , ولكن إعادة البحث لم تسفر عن أية نتائج جديدة , خرج الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " مصدوماً , وحين خروجه من باب اللجنة وجد الحاج " على " ينتظره , وأخبره الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري "  بما حدث , وتصنع الحاج " على " الاندهاش , ونصحه بإعادة البحث في مقار أخرى , وأخبره بأن ثمة تنقلات لأسماء بعض الناخبين قد طرأت على الكشوف .

خرجا سوياً من باب المدرسة , وذهب الحاج " على " ليركب سيارته ويمضي إلى المقر التالي للإدلاء بصوته للمرة الرابعة في مدرسة الفجر الثانوية بنين الواقعة على الطريق المؤدي إلى البلدة المجاورة , مستغرقاً بالتفكير فيما حدث مع الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " ( إنه حقاً لشئ عجيب ... !!! ).

 وبينما يمد يده ليفتح باب السيارة أفاقه من غفوة الظن صوت " سعد المرشدي " , والذي تصادف أن يكون اسم عائلته هو مهنته , فهو يعمل كمرشد بقسم الشرطة , وبعد أن اطمأن الحاج " على " من المرشد " سعد " على سير المهرجان الانتخابي , بادره باستفسار عما حدث للاستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " عله يجد عنده إجابة , ارتسمت على وجه المرشد " سعد " تلك الملامح التي تكتسي وجه الوزير المسئول حين يسأل عن بعض الجوانب السرية في مملكته الوزارية , وتكون إجابته مغلفة بالغموض لكونها معلومات سرية لا يعرف كنهها سواه , شعر المرشد بأهميته القصوى واللامتناهية , وشرع يبحث في جيب قميصه الأزرق المموه ببقع بيضاء , وجيوب بنطاله المتدلي منه " كرشه " العظيم باحثاً عن علبة السجائر , فطن الحاج " على " إلى مغزى " الحركة " , وأخرج من جيب جلبابه علبة السجائر وأعطى منها سيجاره للمرشد , وضعها في فمه وانتظر أن يخرج الحاج " على " قداحته ليشعل له السيجارة , ولكن خاب ظنه , ( مش للدرجة دي يا مرشد العِرَر ) , حدث الحاج " على " نفسه , واعتبر ذلك تمادياً من المرشد في قلة ذوقه , أدرك المرشد ذلك , وأشعل عود ثقاب ونفث دخان السيجارة على يساره وبدأ بالحديث :

-         إنت عارف يا حاج على مين اللي كان قاعد في لجنة " 38 "  .. ؟؟؟ كان عم حسن الفوال  

أومأ الحاج " على " بأنه يعلم ذلك , حيث لمحه جالساً عند باب اللجنة أثناء انتظاره للأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " , وأخبره باندهاشه لوجوده باللجنة , فاستطرد المرشد سعد :

-         أهو حسن الفوال ده بأة يبقى وكيل المهندس : زين نصر الله مرشح الحزب ...!!!

 لم يستطع الحاج " على " إخفاء دهشته , أو ربما تعمد إظهار هذه الدهشة ليدفع المرشد الذي يعاني عقدة النقص إلى تكملة الحديث , وبالفعل , سقط المرشد في الفخ واستعد لإلقاء جل الأسرار في أذن الحاج " على " :

-      آة .. عم حسن وكيل مرشح الحزب , وزي مانت عارف , المهندس زين مش محتاج وكلا في اللجنة دي من الناس بتوعه , ده عايز ناس تقف لبتوع الأخوان أكتر , عشان كدة عمل توكيل لعم حسن

 لم يبذل الحاج " على " جهداً كبيراً ليقيم علاقات الترابط بين تلك المعلومات التي ألقاها له المرشد " سعد " , فقد كانت الخطة محبوكة بشدة , " حسن الفوال " هو بمثابة ذاكرة المدينة التي لم تكد تخرج من طور القروية بعد , ذلك الطور الذي تنكشف فيه أسرار البيوت والأشخاص بجلاء ووضوح , ووقع الاختيار عليه لإلمامه الكامل بسيرة أبناء المنطقة , بل وأبناء المدينة الوليدة من رحم القرية , لذلك , كان من الطبيعي أن ينصرف عم " حسن " باعتباره وكيل مرشح عن مراقبة العملية الانتخابية إلى المهمة الأخرى الأهم بل والوحيدة وهي التعرف على ميول الناخبين وسيرهم السياسية , فبمجرد دخول الناخب لجنة الاقتراع تبدأ النظرات المتبادلة والمتفق عليها بين عم " حسن " وبين المسئول عن الكشوف الانتخابية , وهذا ماحدث مع الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " الذي يعلم عم " حسن " انتمائه للإخوان , فبمجرد دخوله اللجنة ووقوفه أمام المنضدة رمق الأستاذ " إبراهيم " المسئول عن الكشوف عم " حسن " , الذي أومأ له بما يعني أن هذا الناخب من فصيلة " X  " , أي من هؤلاء المغضوب عليهم , وبالفعل , ضلل الأستاذ " إبراهيم " الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " وأخبره بأن اسمه ليس مدرجاً بهذا الكشف . كذلك علم الحاج " على " بفطنته المتمرسة في عالم المهرجانات الانتخابية - كناخب مخضرم له خمسة أصوات - أن " حسن الفوال " يتكرر بنسخه المتعددة في كل لجان الدائرة , أو بالأحرى في كل لجان الجمهورية , وما حدث للأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " حدث مع الآلاف غيره . نظر الحاج " على " في ساعته وربت على كتف المرشد بما يعني " وفقكم الله " وركب سيارته , ومضى .

لم تفلح محاولات الأستاذ " خالد أمين سيد الباجوري " التمويهية , فقد دون بياناته على الكارت الانتخابي الخاص بأحد مرشحي الحزب الوطني , وهو المهندس " زين نصر الله "  , ليعلم كل من في اللجنة بانتمائه للحزب ومرشحه , هذا بجانب حضوره كل مؤتمرات المرشحين الحزبيين , إمعاناً في التمويه , ولكن هيهات , ان عم " حسن  الفوال " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .

أحمد عبد الحي شلبي
الإثنين
 29 – 11 - 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق