2010-10-17

ميلاد عهد ( 1 )

قلما غادرت المدينة التي أقطن بها , فعملي يجاور منزلي وكلاهما يحيطان بأهلي وأصدقائي , وفي أحدى المرات النادرة التي خرجت فيها لتقديم واجب العزاء في والدة أحد أصدقائي القدامى بمنطقة " صفط اللبن " ألفيت نفسي أمام جامعة القاهرة , تلك الجامعة التي طالت مدة دراستي بها لتصل إلى الثماني أعوام بين الرسوب والفشل , ولأول مرة أرى تلك القبة الأبية بعد تخرجي بشق الأنفس في كلية الآداب , وحين عودتي للمنزل , استخرجت من مكتبتي الصغيرة كتاباً عن تاريخ الجامعة , كنت قد ابتعته منذ عشر سنوات ولم أكلف نفسي عناء مطالعة الفهرس حتى , ولما شرعت في قرائته هالني فيضاً من المعلومات كانت في سترها الطبيعي طي المجهول , وكعادتي , قررت أن أدون بعضها لتصير ملخصاً يصلح مرجعاً حين الحاجة , وكان لزاماً علي أن أقوم بنشره بمدونتي في حلقات علها تفيد البعض ممن يجهلون الكثير عن ذلك الصرح العتي , الدليل والبرهان على قسوة الأقدار على الوطن العتيق .

البداية :

كانت البداية في 21 مارس 1908 , في المبنى الذي تشغله الآن الجامعة الأمريكية بميدان التحرير , وكان لتاجر السجائر اليوناني " نستور جناكليس " , وحينما ضربت الحرب العالمية الأولى بظلالها على مصر أصيبت الجامعة بالانهيار الاقتصادي مما دفعها لتغيير مقرها إلى مبنى آخر بشارع " الفلكي " .. وبشئ من التفصيل .. نقول

 بدأت الجامعة مسيرتها سنة 1908 باسم الجامعة المصرية الأهلية , عارض " اللورد كرومر " بشدة فكرة إنشاء الجامعة , ولم تدخل الفكرة حيز التنفيذ إلا بعد مغادرته مصر وتولي " جروست " منصب المندوب السامي البريطاني . ومن أهم رواد فكرة إنشاء الجامعة :
- أحمد لطفي السيد
- جورجي زيدان
- سعد زغلول
- القاضي ج . أ . مارشال
- أحمد فتحي زغلول ( شقيق سعد زغلول )
- الملك فؤاد ( حين كان لا يزال أميراً )
- محمد حسين هيكل
- قاسم أمين
- يعقوب آرتين
- مصطفى كامل
- محمد عبده

وغيرهم كثيرين , وباختلاف نسب إسهامات كل منهم بالزيادة والنقصان

كانت بداية الدعوة لإنشاء الجامعة عند " يعقوب آرتين " حين ألمح سنة 1894 بأن المدارس المهنية العليا الموجودة في مصر في ذلك الوقت قد تصلح نواة لقيام جامعة , كما يمكننا تلمس البدايات أيضاً في مقالات جورجي زيدان في الهلال سنة 1900 , وأيضاً مقالات محمد عبده في صحيفة اللواء في نفس السنة .
كان ثمة مبادرة من " أحمد باشا المنشاوي " سنة 1905 لإنشاء جامعة في القليوبية وأن يكون الممول الوحيد لها , ولكنه توفي قبل الضلوع في التنفيذ , وأيضاً  كان هناك مشروع لإنشاء الجامعة , ووعد أحد أعيان بني سويف وهو " مصطفى كامل الغمراوي "  بالتبرع بمبلغ 500 جنيه في حالة إنضمام متبرعين آخرين , وبالفعل بدأت التبرعات تنهال في اجتماع عقده سعد زغلول وقاسم أمين بسرايا الأول في 12 أكتوبر 1906 , ولكن كانت المفاجأة بعد إسبوعين حين عين سعد زغلول وزيراً للمعارف , فظل المشروع مجرد فكرة .

كان سعد زغلول يشغل منصب نائب رئيس الجامعة ( قبل تأسيسها ) , حيث تركت اللجنة التأسيسية منصب الرئيس شاغر توقعاً لرعاية ملكية , وبعد تعيين سعد زغلول في الوزارة شغل قاسم أمين منصب رئيس اللجنة , وكان كرومر ( المناهض لفكرة الجامعة ) قد رحل , واستتب الأمر للخديو عباس للاضطلاع  بمهمة رعاية الفكرة , وزاد عدد مندوبي القصر في اللجنة التأسيسية مع تراجع لأعضاء حزب الأمة والحزب الوطني , وكان من اليسير على الخديو وقتها أن يعين ابنه " عبد المنعم " رئيساً شرفياً للجنة , وتولى أربعة أمراء الإدارة الفعلية .. وهم :
الأمير حسين كامل " سلطان مصر فيما بعد " .
الأمير عمر طوسون .
الأمير أحمد فؤاد " ملك مصر فيما بعد " .
الأمير محمد على

ثم تولى الأمير أحمد فؤاد الطموح رئاسة اللجنة أواخر عام 1907 , وإبان فترة رئاسة فؤاد للجامعة , شهد المجلس تغيراً ملحوظاً في إتجاه الأعضاء , فتقلص دور أعضاء حزب الأمة بسبب كبوة سعد زغلول وأحل محلهم أعوان القصر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق