2010-10-06

الإسلام وأصول الحكم

كتاب " الإسلام وأصول الحكم " هو صفعة على وجه تيارات الإسلام السياسي بوجه عام ,  فإذا كان الكتاب قد ناقش فكرة الخلافة خاصة , إلى أن المتأمل في روح صفحاته يتمكن بسهولة من إدراك أبعاده الأخرى المتمثلة في تجريد الإسلام من وجهته السياسية , ويمكن تلمس ذلك بوضوح في حديثه عن حروب الردة , ومكانة الرسول الدينية والدنيوية , وحياة الخلفاء والأمراء وقراراتهم , والحروب المستعرة بين على ومعاوية ... إلخ


لا شك أننا نحيا الآن في أزهى عصور الدوجماطيقية الفكرية , ولا شك أيضاً أن سيطرة رجال الدين على عقول العامة قد بلغت حداً لم تبلغه إبان فترات العصور الوسطى في أوروبا , لذلك وجدت من المفيد نسبياً تلخيص هذا الكتاب القيم , لنقف على أهم النقاط التي طالما اعتبرناها مسلمات وبديهيات بينما هي في الحقيقة لا تتعدى كونها اجتهادات وتضليلات .


أحمد عبد الحي شلبي
الإثنين
22 - 2 - 2010






الإسلام وأصول الحكم

للشيخ / على عبد الرازق




* التعريف بالخلافة



يبدأ شيخنا الجليل بحثه بتوضيح معنى الخلافة وهي النيابة عن الغير , وعند المسلمين هي الرياسة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي ( ص ) , وتسمى الخلافة أحياناً بالإمامة تشبيهاً بإمام الصلاة .
استعان مؤلف الكتاب بتاريخ ابن خلدون ومقدمته في أجزاء كثيرة من كتابه , فقد ميز ابن خلدون بين الخلافة والملك , فالخلافة الخالصة كانت في الصدر الأول من الإسلام , أما الملك فبدأ مع عهد معاوية .
أما عن مصدر ذلك السلطان الهائل الذي خلعوه على الخليفة فقد انقسم الفقهاء الى فريقين , أحدهما يرجع مصدر السلطان إلى الله , والآخر إلى الأمة


* حكم الخلافة



كانت النظرة العامة لعلماء الإسلام تؤكد وجوب الخلافة , وقد شذ البعض من الخوارج والمعتزلة بعدم وجوبها , ويؤكد المؤلف على عدم وجود آية واحدة أو حديث للنبي تقرر الخلافة .
ويبدأ شيخنا في تفنيد التفسيرات التي خلعها الفقهاء على الآيات التي يزعمون أنها تقرر الخلافة وتأمر بإطاعة الخلفاء ومنها :

( يا أيها الذين آمنو أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )
( ولو ردوه إلى الرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )

وقد نزع المفسرون إلى أن " أولى الأمر " هم الأمراء من المسلمين أو أمراء السرايا العسكرية أو الفقهاء المسلمين بشكل عام .. مما يعني أن الآيات لم تقرر صراحة وجوب وجود خليفة واحد أو حتى مجموعة من البشر يرجع إليها السؤال في شتى أمور الحياة .
والأمر في السنة كالأمر في الكتاب , حيث أورد شيخنا أحاديثاً يفترض أنها حجج لموجبي الخلافة ومنها :

( الأئمة من قريش ... )
( من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة الجاهلية ... )
( من بايع إماماً فأعطاه صفقة قلبه وثمرة يده فليطعه إن استطاع , فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ... )
( اقتلوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر .... )

ويؤكد ثانية أن تلك الأحاديث لا تصلح حججاً لوجوب الخلافة صراحة .

ويقول شيخنا أنه ليس معنى أن يذكر أمر الإمامة في الكتاب والسنة أنها فريضة , فقد أمرنا القرآن أن نفي بعهدنا للمشرك فهل يعني ذلك الأمر بالشرك , وأمرنا بإكرام الفقير والمسكين فهل يعني ذلك وجوب وجود الفقراء بيننا , وأمرنا كذلك بحسن معاملة العبيد فهل يعني ذلك وجوب وجود العبيد , وكذا ذكر الطلاق والاستدانة و البيع والرهن دون أن يوجب ذلك الأمر بهم وبوجودهم وبفرضهم .

احتج العلماء على شرعية الخلافة بفكرة الإجماع , قائلين أن المسلمين بعد وفاة النبي أجمعوا على اختيار أبي بكر .. !!! وقد سلم المؤلف جدلاً بصحة كون الإجماع حجة شرعية ومصدر شرعي , وذهب ليفند مقولة الإجماع على أبي بكر, حيث أثبت بصحيح المتواتر أنه لم يكن ثمة إجماع على أبي بكر لتنصيبه خليفة , فذكر ما حدث في ثقيفة بني ساعدة , ومقاطعة على للبيعة وما تلاها من أحداث .

انتقل شيخنا بعدها لإثبات عدم اهتمام المسلمين بعلم السياسة كبقية العلوم , فقد كان للمسلمين باعاً طويلاً في علوم كثيرة , نقلوها عن اليونان والرومان بعد الفتوحات , وأخذ منها الغرب ما أخذ , ورغم ذلك لم يكن مبحث السياسة من المباحث التي اهتم بها المسلمين كثيراً اللهم إلا فقرة هنا وشذرة هناك .

ويؤكد على ان المناهضين للخلافة كانوا موجودين في كل عصر و مع كل خليفة , مما يؤكد أن معارضة فكرة الخلافة نشأت بنشأة الخلافة نفسها , ومع ذلك لم يكن ثمة اهتمام من علماء الإسلام بعلم السياسة ... !!!

انتقل الشيخ بعدها لإثبات أن الخلافة لم تكن مرتكزة على الشورى والمبايعة بين أهل الحل والعقد , بل كان اعتمادها الأساسي على العنف والقوة الرهيبة , وإذا كان من الممكن استثناء الخلفاء الثلاثة الأول , فلا يمكن إنكار حقيقة أن ملك على ومعاوية كان على أسنة الرماح وتحت ظلال السيف . ويؤكد أن الإسلام قائم على الإخاء والمساواة , لذلك فمن الطبيعي أن يأنف المسلم الحق أن يمتثل في مذلة لحاكم واحد مستبد .

يقول علماء المسلمين أن من أقوى مهام الخليفة حفظ الدين , بينما نجد أن الخلافة في القرن الثالث الهجري أندثرت بعد تفتت الدول بين العباسيين والسامانيين والقرامطة ووالبويهيين والطولونيين والفاطميين والاخشيديين والمماليك والأيوبيين والدين كما هو في بغداد والقاهرة وخراسان و حلب والبحرين وعمان والأهواز وخراسان , إذن فالإسلام أكبر بكثير من أن يرتبط مصيره بمصير خليفة ما أو نظام حكم ما .

--------------------------------------------------


ولننتقل الآن لأكثر الأمور حساسية وخطورة .



لم يكن الرسول قاضياً بمعنى الكلمة , أي أننا لا نستطيع أن نستنبط مما تواتر إلينا عبر الروايات التاريخية الصحيحة نظام قضائي واضح المعالم يصلح لأن يسمى " النظام القضائي الإسلامي " , بلى كان الرسول يقضي بين المتخاصمين ولكن ليس على أساس علمي وأكاديمي يمكن دراسته .


هل عين الرسول قضاة ..؟؟؟



لم نجد في التاريخ النبوي أمر تعيين قضاة من النبي , ولكن هناك بعثات أرسلها النبي إلى القبائل , فأرسل علياً وعمراً ومعاذاً وأبا موسى ... ولكم كان الاختلاف في الروايات بين غرض الإرسال .. فمن قائل للدعوة إلى قائل للحرب إلى قائل للقضاء .... إلخ مما يعني عدم استواء الأمر واستقراره على إرساله قضاة متخصصين .
وكما هو الأمر بالنسبة للقضاء , فإننا نعدم وجود دلائل على وجود نظام ثابت ومحدد للأمن والحماية ( البوليس ) وما هو خاص بالأموال ( المالية ) وغيرها من النواحي التي لا تقوم الدولة المدنية إلا بها , والدليل على ذلك أن المؤرخ , أي مؤرخ , إذا تعرض لسيرة أحد الخلفاء أفرد باباً خاصاً لعماله في كافة الشئون .. مما يؤكد اهتمامهم بهذه الأمور بينما في سرد السيرة النبوية لا نجد سوى روايات مبعثرة لا تصلح حين تجميعها منهجاً سياسياً جلياً .


هل كان محمداً ملكاً أم رسولاً ...؟؟؟؟



* يؤكد الشيخ بدايةً أن البحث في مثل هذه الأمور لا يعد من المحرمات .
* الفارق واضح بالطبع بين الملك والنبوة .
* يجتمع عامة المسلمون وفقهائهم على أن النبي محمد كان رسولاً وملكاً .
* الحرب من مظاهر السياسة لا النبوة , وقد وضح ذلك حين دعا الرسول للجهاد داخل شبه الجزيرة وخارجها , ولا خلاف على أن الأمر بالقتال هو دعوة سياسية لا دينية , فعلته توطيد الحكم وترسيخ دعائمه , فالدعوة إلى الدين هي دعوة إلى الله , والدعوة إلى الله لا تكن أبداً بحد السيف وبإراقة الدماء والدليل من كتاب الله :

( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )
( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )
( فذكرإنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر )
( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )
( فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ؟ فإن أسلمو فقد
اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد )


* توزيع الأموال وتعيين جباة الضرائب من الأمور الملكية لا النبوية .

أما وقد وقفنا على ازدواجية المهمة لدى النبي محمد , يجوز لنا التساؤل حول ما إذا كان أمر الملك والسلطة داخلاً في رسالة النبي أم لا ..؟؟؟؟

تنزع الروح العامة لأغلب المسلمين على اعتبار أن أمر الملك كان متضمناً في رسالة النبي , وقد ذهب ابن خلدون وابن حزم لهذا الرأي , إلا أن هذا الرأي لا يجد ما يدعمه .. وإلا فأين نظام الدولة المحكم في العهد النبوي كما سبق وأوضحنا ؟؟؟؟ استمرت دولة النبي بالقليل أو بالأحرى بالأساسي والرئيسي من أركان الحكومة والسلطة وبفضل دعم الله والملائكة و ومشورة جبريل .. وبالطيع مثل هذه الدعائم لا تصلح سوى للأنبياء والرسل ... وقد يكون هناك نظاماً كاملاً للحكومة في عهد النبي .. إلا أننا لم نعرف بعد عنه شيئاً ..

إن أقصى ما يمكننا الوصول إليه في هذا الأمر هو أن الحكومة النبوية كانت بسيطة وغير متكلفة وخالية من التعقيدات التي خبرناها في الحكومات الحالية ... ولكن , لا يمكن أن تصل درجة البساطة لإهمال أساسيات في أي نظام حكومي .. فمثلاً .. إننا لا نعلم شيئاً عن ميزانية دولة الرسول .. أو تلك الدواوين التي تضبط شئون الدولة النبوية الداخلية والخارجية ...

لا يمكن أن يكون إنشاء الدولة أمراً إلهياً




-------------------------------



نعود إلى قضية هل كان النبي ملكاً أم رسولاً ؟؟؟

تؤكد الآيات القرآنية جزئية أن محمداً لم يكن له سلطاناً دنيوياً , أو ابالأحرى لم يكن مأموراً في الرسالة بالسلطان :
( من يطع الرسول فقد أطاع الله فما أرسلناك عليهم حفيظا )
( وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل )
( إتبع ما يوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً و ما أنت عليهم بوكيل )
( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس أن يكونوا مؤمنين )
( قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل )
( وما أرسلناك عليهم وكيلا )
( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا )
( إن عليك إلا البلاغ )
( وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد )

إذن فالقرآن صريح في أن حق النبي على أمته لم يكن سوى حق الرسالة فقط , وما كانت رسالته سوى الإبلاغ فقط .

ومن السنة :

* ( رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة يذكرها , فقام بين يديه فأخذته رعدة شديدة ومهابة , فقال له صلى الله عليه وسلم : "هون عليك فإني لست بملك ولا جبار وإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد " )
* ( لما خير على يد إسرافيل بين أن يكون نبياً ملكاً أو نبياً عبداً , نظر عليه الصلاة والسلام إلى جبريل عليه السلام كالمستشير له , فنظر جبريل إلى الأرض يشير إلى التواضع ) وفي رواية أخرى ( فأشار جبريل إلى أن تواضع فقلت : " نبياً عبداً " )

وبخصوص دعوة الإسلام للناس كافة فذلك دليل على أن الإسلام دعوة دينية صرفة , فمن المعقول أن ينضوى الناس كافة تحت لواء دين معين ولكن من غير المعقول أن يندرجوا جميعاً تحت حكومة واحدة أو نظام سياسي واحد ...!!!!

يؤكد المؤلف أن دعوة الإسلام لم تكن حكراً على العرب , ورغم الفتوحات فإن النبي لم يفرض على أمة ما نظام سياسي معين , بل قال ( أنتم أعلم بشئون دنياكم ) .. صحيح أن النبي قد جاء بشرائع اجتماعية وعادات وتقاليد جديدة إلا أنها لم تكن ترتقِ , في حال جمعها , إلى مستوى المنظومة التشريعية .
والرسول لم يسمِ بعده خليفة أو حاكماً , ولم يصل إلينا عن لسانه الشريف أنه قد تفوه بكلمة " الدولة الإسلامية " أو " الدولة العربية " .. ولو كان الرسول قد أرسى دعائم حكومة إسلامية فما كان سينتقل إلى الرفيق الأعلى قبل أن يسمي خليفة له .


-----------------------------------

الزعامة بعد الرسول



من البديهي أن لا زعامة دينية بعد الرسول , وأن أي زعامة جديدة ستكون مغايرة تماماً لزعامة الرسول , وقد وجد المسلمين أنفسهم , بعد وفاة الرسول , أمام دولة مترامية الأطراف , فجرت على ألسنتهم كلمات جديدة كالإمارة والأمراء والوزارة والوزراء والسيف والحرب والثروة والعزة وما كان ذلك منهم إلا خوضاً في الملك وقياماً بالدولة , و كان تنافس المهاجرين والأنصار إلا أن تمت بيعة أبي بكر . ولك الرجوع إلى كتب السيرة وقراءة أحداث بيعة السقيفة لتعرف كيف تمت البيعة لأبي بكر , فكانت تلك دعوة جديدة للدولة العربية غير تلك الدعوة الدينية التي قامت على أكتاف الرسول للبشر كافة .



-----------------------



الخوارج والمرتدين



كان من الطبيعي والحال كذلك أن يستحل البعض الخروج على الدولة طالما هي دولة مدنية لا دينية , ولكن هناك البعض كان يرى في أبي بكر خليفة لله بما أنه خليفة للرسول بما له من مكانه دينية , فصارت خلافة أبي بكر مشوبة بنزعة قدسية جعلت من الخارجين عن الخلافة خارجين عن الدين فصاروا مرتدين عن الإسلام .

ولكن التاريخ يؤكد لنا عكس ذلك , فهناك من هؤلاء من كانوا مؤمنين بمحمد وما أنزل عليه ومنهم " مالك بن نويرة " و " الحطبل بن أوس " ومما يؤكد لنا ذلك استياء أبي بكر من قتل خالد لمالك بن نويرة ونصيحة عمر لأبي بكر بقتل خالد بسبب قتله مسلماً مؤمناً , وكان من الطبيعي أن يرفض هؤلاء – كمواطنين - دفع الزكاة لشخص لم يعترفوا به كخليفة ولم يبايعوه , لذلك حاربهم أبي بكر – كملك - ..

بدأ أبي بكر بمحاربة أولئك الذين ارتدوا بالفعل عن الإسلام وانساقوا وراء بعض المتنبئين والغاويين , وبعيداً عن مدى مشروعية ذلك القتال ومدى أحقية أبي بكر بمحاربة هؤلاء , فإننا نجزم بأن الحرب بدأت على المرتدين عن الدين وانتهت بمحاربة الخصوم السياسيين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق