2011-04-24

المهرجان ( 2 )

تقع صيدلية " المنياوي " أمام مدرسة " النصر " الإعدادية بنات , وتقدم صاحبها الدكتور " أيمن فتحي " بأوراق ترشحه لانتخابات الحزب الوطني للترشح لمجلس الشعب على قائمته , ونجح في انتخابات الحزب مع المهندس " زين نصر الله " على مقعد الفئات , وبات الصراع محتدماً بينهما , وتلقى المهندس " زين نصر الله " ضربة قاصمة حين استمال " أيمن فتحي " عائلة من أكبر عائللات المدينة في صفه , ولكن المهندس " زين " بما له من علاقات واسعة ومتشعبة ووطيدة داخل الحزب الوطني كان مطمئناً للغاية , هذا ما نقله بعض مريديه وأعوانه ذوي الألسنة " الفالتة " , ولم يعد أحد يعلم علام يرتكن هذا وإلام يستند ذاك . المهم , جاء اليوم المشهود , يوم المهرجان , واستلام الصولجان , وبدأت الحركة الانتخابية في المقار هادئة , ومرت الساعات من التاسعة صباحاً وحتى الثالثة عصراً في غاية الهدوء , تشوبها بعض الحركات المتوترة لأنصار المرشحين , وأصوات المتحدثين عبر الهاتف تارة سراً , وتارة علناً , وخارج المقار تضج السيارات الميكروباص بأزيز محركاتها وآلات تنبيهها قادمة من المناطق البعيدة تقل الناخبين رجالاً ونساءً , فتلقيهم , وتعود لتحضر غيرهم , ثم تعود أخريات لتقل الناخبين بعد الانتهاء من الإدلاء أصواتهم إلى مساكنهم ثانية , خلية نحل في التكاتف الديمقراطي وإرساء دعائم الوعي السياسي .... !!!!

جاءت الساعة الثالثة تقريباً , وبدأت الحركة تزداد بشكل ملحوظ , فانقطعت المكالمات التليفونية عبر المحمول , وكفت السيارات عن الحركة , بل واختفت تقريباً , وازدحمت المنطقة أمام كل مقر انتخابي , وبدا وكأن شيئاً مريباً على وشك الحدوث , وبالفعل , لم تمضي دقائق حتى خرجت الكشوف الانتخابية من اللجان , وأكرر , الكشوف الانتخابية الأصلية , المعتمدة , المختومة بخاتم الدولة , الكشوف التي هي عهدة مسئولي اللجان والتي تقع تحت مراقبة وكلاء المرشحين , خرجت الكشوف مدسوسة في جيوب بعض الأشخاص , وتحت قمصانهم , بل وفي أرديتهم الداخلية إن لزم الأمر , كما رافقتها في الخروج البطاقات الانتخابية نفسها , ودخلت الكشوف والبطاقات صيدلية الدكتور " أيمن " , وأغلقت أبواب الصيدلية , ووقف على أبوابها الثلاثة أشخاصاً ثلاثة من العاملين بها , وحين ذهبت امرأة لشراء عبوة " بامبرز " لوليدها أخبرها أحد حراس الأبواب الثلاثة بأن الصيدلية مغلقة , غبية هي هذه المرأة بالتأكيد , ألم تلحظ هذا الكم من أجهزة الحاسب المزروعة أمام الصيدلية التي تحولت إلى مقر انتخابي لاستخراج البطاقات الانتخابية ... ؟؟؟!!!! ألم تلحظ ذلك الزحام الشديد أمام الصيدلية .. ؟؟؟!!!!

لم يكتف أنصار الدكتور " أيمن " بتسويد الكشوف في اللجان , بل وصل بهم الحد لجلب الكشوف نفسها إلى مكان آخر لتتم عملية التسويد دون إزعاج .

وعند حلول الساعة الخامسة مساءاً , وجد أنصار المرشحين أن عملية التسويد لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب , فقرروا العثور على وسيلة أخرى , وبدأ البحث عن أسماء مشابهة للأسماء التي لم تنتخب ولم تسود , فدخل شخص يدعى " أحمد سعد محمد " ليصوت بدلاً من شخص آخر لا يعرفه يدعى " أحمد سعيد محمد " , كما دخل شاب يدعى " محمود إبراهيم عبد الحميد " ليصوت بدلاً من صاحب الإسم " محمود إبراهيم عبد المجيد " .. وهكذا

في مدرسة نجيب محفوظ الصناعية بنات , دخل الحاج " على عبد الرحمن " ليتم بخير مروره الكريم على المقار , وقف أمام باب اللجنة " 9 " المغلق , نظر في ساعته ووجدها تشير إلى السادسة والربع , ( عجباً .. !!! بقيت ساعة إلا الربع على انتهاء عملية التصويت ), وأثناء وقوفه بادره شاب في الثلاثين من عمره بسؤال عن سبب وقوفه , فأخبره الحاج بأن صوته في هذه اللجنة , وأنه يرغب بالتصويت , إن لم يمنع من ذلك مانع , فابتسم الشاب الذي تهدل قميصه خارج بنطاله في نهاية اليوم المرهِق وقال له أن اللجنة الآن مغلقة لمدة ربع ساعة لدواعٍ أمنية , بالطبع لم ينطلِ الرد على الحاج " على " المخضرم في ألاعيب التصويت , فمال على الشاب وسأله :

- فين اللجنة المفتوحة هنا .. ؟؟؟؟

 تسمر الشاب قليلاً , ثم أدرك أن الحاج " على " ( مننا وعلينا ) , وأنه على علم بعمليات التسويد التي تمت وتتم , كما أخبره الحاج " على " بصراحة مطلقة بأنه آتٍ من أربع مقار للتو , أدلى فيهم كلهم بصوته .. أقصد .. بأصواته , فأخرج الشاب هاتفه من جيبه وقام بإجراء مكالمة , ولم تمر دقائق حتى بدا الحاج " فتوح " صاعداً السلم بتثاقل , وما أن رأى الحاج " على " حتى صافحه , وأخذ بيده تحت إبطه وفتح باب اللجنة , المغلق بأمر أمني , ودخل ملقياً التحية على موظف إدارة التأمينات الاجتماعية المسئول عن الكشوف الانتخابية , وناوله الموظف بدوره كشوف الانتخاب وانصرف لتناول زجاجة المياة الغازية , أخذ الحاج " فتوح " يقلب في الكشوف باحثاً عن اسم الحاج " على " حتى وقعت عيناهما عليه , فوجده قد انتخب بالفعل , يبدو أن شخصاً آخر قد وقع على الكشف " نيابة " عنه.. !!! , لم يبد أياً منهما ردة فعل تذكر , وكأن الأمر طبيعي , بل واستمرا في البحث , فوجدا شخصاً يدعى : " على سيد عبد الرحمن فؤاد " , فوقع الحاج " على " أمام الإسم , وأسقط بطاقته الانتخابية في الصندوق " الشفاف " , وألقوا التحية على الحضور منصرفين , متقدمين عبر الطرقة نحو السلم ,  ولا يزال الحاج " فتوح " متأبطاً ذراع الحاج " على " , ورن هاتف الحاج " فتوح " , فأخرجه من جيبه ورد عليه , ولا يزال متأبطاً ذراع الحاج " على " , أنهى الحاج " فتوح " مكالمته , وعرج بصحبة صديقه إلى لجنة " 12 " , ودخلاها , وأمسك الحاج " فتوح " بكشف الناخبين , وأخرج اسم : " على سعيد عبد الرحمن " , وقام الحاج " على " بالامضاء - للمرة العشرون على ما أذكر - أمامه وأسقط ورقة الانتخاب في الصندوق الشفاف , وحين خرجوا من اللجنة , ربت الحاج " على " على كتف الحاج " فتوح " بيده اليسرى وصافحه باليمنى , فصعق الحاج " فتوح " حين وجد بقعة زرقاء على كتفه بعد ربتة الحاج " على " , فداعبه لائماً إياه على تلك البقعة التي سببها له , فقال له الحاج " على " :

-        يا سيدي انت أمرك سهل , الجلابية بتاعتك هتتغسل وتنضف وخلاص , إنما الحبر اللي في صباعي ده شكله مش هيطلع في سنته

 فسأله الحاج " فتوح " عن السب فرد له الحاج " على " :

-          عشان كل مرة بانتخب فيها بحط صباعي في إزازة الحبر , النزاهة الانتخابية ليها احترامها برضه يا حاج فتوح  .


أحمد عبد الحي شلبي
الإثنين
 13 – 12 - 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق