2011-04-24

حبيبة

اتولدت حبيبة في وقت من الأوقات وفـ مكان قريب من هنا ... اتولدت حبيبة من أم شبهها كتييير .. وأب .. مايهمناش نعرفه ... اتولدت حبيبة ... والدكتور غريب .. من أرض غريبة


كانت البداية عندما ولدت حبيبة .. وبدت – بعد ضعفها ووهنها في طفولتها – شابة , فتية , يغري جمالها الرجال والولدان , ويغري ضعفها الأبطال والشجعان , وما أن شبت حبيبة , وبرزت مفاتنها للمبصر والمستبصر حتى تهافت على خطبتها الكثيرين من أبناء الحي , ولكن .. لا يجدي الضعف على الضعف , أو الوهن على الوهن .. فخطابها لن يزيدوها سوى ضعفاً ووهناً , وقد عانت كثيراً , حبيبة , من ألم الضعف أمام الأقوياء . ولما رأى الغرباء عن بلدتها ما أحاط بها من وهن , ووهن أهلها , قرروا التقدم لخطبتها .. إنهم يعرفون حبيبة جيداً , ويعرفون من قديم ما وهبها الله من مفاتن ومحاسن , وكانت لهم كنزاً لا ينبغي التفريط فيه , ووجدوا في خطبتها فرصة للتمتع بها , وبجمالها .. مسكينة حبيبة .. !!! خلقت بجمال أخاذ احتوى جسدها وروحها , ولم ترزق بعضلة واحدة في هذا الجسد الفتان , وإن كانت روحها تصمد وتصلب بقوة الجبال والسماوات .

          أبت حبيبة خطبة كل الغرباء , كما أبت من قبل خطبة الضعفاء .. ولكن .. ليس كل الرفض يجدي .. أن ترفضي الضعيف فهو الأمر الهين .. أما أن ترفضي الجبار فله من النتائج ما لا تحمد عقباه .

          كانت حبيبة تنتظر بلهفة أحد أبناء بلدتها الأقوياء لتحيا مطمئنة في كنفه وتحت حنوه ورعايته , إلا أن بلدتها لم تنجب بعد الأقوياء , اكتفت حبيبة بالانتظار , انتظار ذلك الرجل الذي تفهمه ويدركها , ولن يدركها سوى من أحبها بلا سبب , وبلا مطمع .. من يحب روحها القوية وليس جسدها الغني , رفضت حبيبة كل الغرباء .. لأنهم غرباء عنها , عن روحها وعقلها وقلبها , وليس لأنهم غرباء عن حيها وبلدها ولغتها , ولكن حبيبة ضعيفة ...

بم يفيد رفضها مع ضعفها ... !!!!؟؟؟

          وفي إحدى الليالي , داهم منزل حبيبة غرباء من خارج الحي , أدركت ذلك من ملبسهم ولغتهم , عاثوا في المنزل خراباً , فهدموا ما هدموا , وأبقوا على حبيبة , جسداً بلا حراك , استغاثت حبيبة بصوتها الحنون الذي لم يعتد الصراخ , إلا أن أبناء الحي كانوا في سباتهم , كعادتهم , حاولت الدفاع عن جسدها البكر بكل قوتها , ولا فائدة ... إن الغرباء متمرسون في الاغتصاب والنهب , ولن تجدي محاولاتك أيتها الضعيفة أمام جبروت القوي الظالم .

استسلمت حبيبة

وتناوب جسدها أفراد تلك العصابة , وزعيمهم " مرزوق " , ذلك الكاسر الجبار , وكانت حبيبة تدعو الله متضرعة أن ينتهي الليل الطويل , ليمضي الغاصب في طريقه ويتركها جريحة الجسد والفؤاد ... تأخر النهار كثيراً ... ما أصعب أن تتحمل الآلام على أمل الانتظار , تنتظر , ولا تزال هكذا .. بلا نهاية .

وأخيراً .. لاح الفجر

ولكن الزوار الملاعين لم يذهبوا ... عجيبة ... ألا يطهر النهار أوساخ كوابيس الليل .. ؟؟؟ يبدو أن الأمر غير ذلك يا حبيبة , فقد أفاقت على منزلها وقد تحول إلى مسكن لهؤلاء الغرباء , يبدو أنهم سيتخذون بيتي مرتعاً لنجاستهم طيلة حياتي .. يا ويلي ... !!!!

          طال الأمد , وحبيبة .. سيدة العالم .. تصبح خادمته , ومحظية الأسياد الجدد . تجوب حبيبة طرقات بلدتها باحثة عن المنقذ , متضرعة للضعفاء , تحتمي في خيالها المنهك بوهم يصول ويجول , وهم أن تجد رجلها المنتظر .

          من أطراف البلدة , كان هناك بيت بسيط , لأناس تعودوا الفقر وشربوه مع الماء العكر , ومن أهل البيت , شاب يافع , تابع – كأهل القرية – مأساة حبيبة , وتمنى لو كان منقذها , كان اسمه " عابد " , وكان كأهل البلدة , يتوق كل نهار إلى طرد مرزوق وعصابته من دياره وديار أهله , إلا أنه تميز عن أهله بقوته وبأسه وعقله النابه , لذلك , كان من اليسير عليه أن يجد السبل ويتذرع الوسائل التي تمكنه من الظفر بإنقاذ حبيبة , وقد كان , ودخل عابد بذكائه وقوته مع بعض أهالي البلدة إلى دار حبيبة وسكانها الغرباء , وأسر زعيمهم " مرزوق " وسجنه في غرفة من غرف الدار , إلا أن الخيانة التي لا ينجو من دنسها أي شعب غيرت مجرى الأمور ... فقد استطاع الأسير مرزوق أن يفلت من أسره , وأن يهرول إلى بلدة مجاورة , لها زعيم , هو أصل المكر ومبدعه , استنجد مرزوق بـ " آدم " , زعيم هذه القرية , ولم تكن مصادفة أن يلجأ مرزوق لآدم , فهو يعلم جيداً ذلك الطموح الذي يراوده من قديم حول حبيبة , ويعرف نهمه , وطمعه , وهذا ما جعله يتجه مباشرة صوبه دون تفكير , وهو يعلم أنه بعد التجاءه إليه سيشاركه حبيبة , إن لم يأخذها منه كليةً , إلا أنه لا يأبه , فحبيبة لم تكن له من البداية .. ليس غريباً أن يضحي النحات بتمثاله مادام لم يكابد العناء في صنعه ... !!!

          غمرت حبيبة فرحة السنين المتراكمة , تلك السنين التي عاشتها في مهانة لم تعتد عليها , فهي الأميرة الحرة المدللة , وقد عاد لها دلالها واسترجعت حريتها على يد عابد البار , ولم تكد حبيبة تغفو في أحضان حبيبها عابد , بعد أن أعلنوا زواجهما ليلة البارحة , حتى هاجم في الليل " آدم " وعصابته منزل حبيبة , وفي الخلف , يقف مرزوق متشفياً في عابد , الذي أمر مرزوق بنفيه خارج القرية .. حتى مات في منفاه كمداً , وعادت حبيبة للاغتصاب من الخنزير الآدمي مرزوق , الذي قبل أن يشاركه آدم في حبيبة .

          تمر السنين , ولا تزال حبيبة , رغم كر الأيام السوداء عليها , شابة , جميلة , فاتنة , لم ينتقص من جمال جسدها شئ , وإن كانت روحها قد أصيبت بطعنة موت عابد , الذي لم تهنأ به لحظات , وفي الوقت الذي تذبل فيه روح الحبيبة , حبيبة , كانت ثمة زهوراً شائكة تينع في طرقات البلدة ....

          " صفوان " , كان طفلاً حين تردد على مسامعه أنباء البائسة " حبيبة " , حين كان والده وجيرانه يتسامرون ليلاً , همساً , خوفاً , حول مأساة ابنة قريتهم التي يقفون أمامها مطأطي الرأس خجلاً , إنهم الضعفاء ... في هذه الأجواء , صعد صفوان درج المعرفة , وتشبع بحقد عظيم وبغض كبير لهؤلاء الغاصبين , وقرر وهو غلام صغير مع البعض من أقرانه أن يتحملوا عبء تحرير ابنة بلدتهم , التي يكلل أسرها هاماتهم بالعار بين جيرانهم .

          سافر صفوان وزملائه لكل بلدان الدنيا , ليتعلم ... ليتعلم كيف يبني عقله وجسده وروحه , وعاد ليغترف من تراب شوارع بلدته الذل الذي يزوده بالحقد الذي ينتج الأمل والعزيمة , ولم ييأس , وكتب على جدران بيوت البلدة كلها " الحرية لحبيبة " عله يفيق أهله من غفوتهم الطويلة . وذات ليلة , قرر صفوان وزملائه القدر , ولم يدعوا القدر يقررهم , كما اعتادوا , وهبوا لنجدة حبيبة , وأزاحوا مرزوق وآدم من بيتها , وأخرجوهم من قريتهم إلى حيث كانوا , وارتمت حبيبة في أحضان فتاها  الجديد  صفوان , وكانت ليلة العرس شاهداً على صنع الأقدار .

          إن معاناة صفوان من الضعف في أهله جعله يشرع في جلب السلاح من القرى المجاورة , آملاً بذلك في خلق شوكة صلبة تردع كل من يحاول الاقتراب من زوجته , لقد تعلم صفوان درساً من سابقه عابد , وانتقى من بين زملائه ورفقاء كفاحه ضد أدم ومزوق من يقوم بحمايته وحماية حبيبة , وكان أقربهم " بشير " , الذي تهلل وجهه بالغبطة حين أوكل إليه صديقه صفوان مهمة الدفاع عن منزل حبيبة , وعن حبيبة نفسها , وراح بشير يزهو بمنصبه الجديد الجليل , وقد غاب عن خاطر صفوان وقتها أن حبيبة لها من الغواية ما يفوق بكثير حماية بشير لها , كما راح من باله أن بشير نفسه إنسان , وليس من الملائكة , وقد وقع المحظور .

          ففي ليلة غبراء , حيث كان صفوان في رحلة له إلى قرية مجاورة , دخل بشير منزل حبيبة , وفي مخدع صديقه , تناول حبيبة البائسة بشتى ألوان العذاب , قبل أن ينتهك جسدها الذي لم يكد يتعافى من فعل السنين والغاصبين . كان بشير سادياً بحق .

          عاد صفوان من سفره , وعلم بما حدث لزوجته , فزمجر وتوعد بشير , وحاول عقابه ففشل , طبعاً , فشل بعد أصبحت مقدرات الأمور كلها بيد بشير , وراحت تهديداته أدراج الرياح , فأصبح صفوان مجرد لسان , بينما تردد بشير بتبجح على غرفة حبيبة , وفي وجود زوجها الضعيف دون أدنى مقاومة .

          عادت " سهام " من سفرها الطويل , فزادت من آلام حبيبة , جارتها القديمة ... كانت سهام تمقت حبيبة مقتاً يفوق الخيال , وحاولت قديماً أن تكسر شوكتها بأن تعبث بجمالها ففشلت , فعملت على تحريك مرزوق وآدم وغيرهم للنيل من حبيبة , وإن كانت قد نجحت , فقد كان وجود صفوان كفيلاً بردع الجارة الماكرة عن حيلها الخبيثة , أما وقد استتب الأمر لبشير فقد كان لزاماً عليه لإحكام قبضته على حبيبة وزوجها المهترئ أن يستدعي سهام لتقطن ثانية بجانب حبيبة .

          ولا تزال حبيبة تأن من ضعف صفوان , وجشع بشير , وغيرة سهام , وطموح آدم , ولا نزال نكتب بدموعنا على صفحة جسدها الممدد سطور الحلم , ولا يزال الواقع بمرارته يمحو ما كتبناه , فما اكتمل سطر حتى الآن ....

          حبيبة , أسطورة الألم عبر كل الأزمان , ذاقت ويلات الكمد من الغرباء وأقرب الأقربين , من لها الآن ... ؟؟؟؟؟

                                                                                      أحمد عبد الحي شلبي
                                                                                                الإثنين
                                                                                         15 – 4 - 2002

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق