2010-10-25

ميلاد عهد ( 2 ) .. الجامعة على المحك






بدأت الجامعة نشاطها الدراسي المفتوح بهيئة تدريس أجنبية : إيطالية وفرنسية في المقام الأول وألمانية وإنجليزية في المقام الثاني , وتم الاستعانة بمدرسين من مدرسة القضاء الشرعي ودار العلوم , ولم يكونوا من حملة الدكتوراة , ولم يكن للجامعة مقررات دراسية منظمة  , أو معايير للالتحاق , أو مستويات للصفوف , أو مراحل دراسية وإختبارات ودرجات  , وكان من السهل أن يسدد أحدهم الرسوم اليسيرة ليدخل قاعة المحاضرات , ويمكنه أيضاً أن ينال شهادة على استماعه لتلك المحاضرات , لذلك كان من الطبيعي أن تجد الافندي والخواجة والشيخ متجاورين في تلك المرحلة , ولما انتقدت الجامعة بسبب هذا الشكل المشين للدراسة أنشأت " شعبة الآداب " سنة 1910 , وكان لها مجلساً وعميداً هو " إينو لايتمان " , وأصبح الحصول على الشهادة الثانوية شرطاً للإلتحاق


رسوم الاشتراك :

120 قرش للثلاث مواد مجتمعة , بواقع 40 قرش للمادة الواحدة
5 قروش لحضور المحاضرة
وارتفعت المصروفات بشكل مذهل في عام 1910 فوصلت لـ :
6 جنيهات للطالب المنتظم
40 قرش للطالب المستمع
جنيه واحد رسوم الامتحان للطالب المستمع


قسم الطالبات :

افتتح قسم للطالبات أواخر سنة  , واستهلت التدريس به " مدموازيل كوفرير " 1909 بالأنشطة والدراسات الخاصة بالمرأة , واتسع القسم ليشمل المزيد من المدرسين والمزيد من المقررات العامة, إلا أنه لاقى هجوماً شديداً من الأزهر وبعض المثقفين أمثال أمير الشعراء أحمد شوقي , وتم إغلاقه في مايو 1912 .


شبح الإفلاس :

استقال الأمير أحمد فؤاد من رئاسة الجامعة سنة 1913 , ورأس الجامعة وزير الحقانية الأرستقراطي المستهتر حسين رشدي , وقدم حسين رشدي استقالته أكثر من مرة إلا أن مجلس الجامعة ناشده العودة واضعاً علو المقام فوق بذل الجهد .
وفي إحدى فترات انقطاع حسين رشدي الطويلة لقضاء الصيف في أوروبا كعادته رأس الأمير حسين كامل مجلس الجامعة , وطبعاً لفترة وجيزة , لأن الحرب العالمية قد اندلعت وعزل البريطانيون عباس وولوا السلطان حسين كامل العرش , وفي ظل انسحاب الكثير من وجوه القصر عن مجلس الجامعة عاد أنصار حزب الأمة لملأ الأماكن الشاغرة في المجلس , وواجهت الجامعة أحلك الظروف الاقتصادية بلا قائد قوى لها , ومن أبرز التداعيات الاقتصادية :

·   تخفيض رواتب المدرسين الأجانب مما دفعهم لترك الجامعة , وترتب عليه اتخاذ قرار مجلس الجامعة بإعادة طلاب البعثات قبل انتهاء فترة دراستهم بالخارج للتدريس بالجامعة , إلا أن هبة نقدية ملكية أنقذت الأمر .
·        انتقال مقر الجامعة من سراي جناكليس إلى مقر آخر بالفلكي بواقع إيجار سنوي 250 جنية .
·        واجه طه حسين في البعثة مشكلات مادية عديدة ولم تستطع الجامعة إسعافه .



الجامعة العامة :

بحلول عام 1917 أدرك البريطانيون أهمية وجود جامعة يتم تشكيلها وفقاً لهواهم , وقد جاء ذلك صريحاً في تقرير لجنة " ملنر " 1920 , وفي هذا العام إنضمت كليات الزراعة والتجارة والطب البيطري للحقوق والطب والمعلمين والهندسة , وكان عدد الطلاب خريجي المدارس الثانوية الراغبين في الالتحاق بالجامعة هائل , ولم تستطع الجامعة استيعابهم , فاتجه التفكير لإنشاء مقر جديد .
كانت لجنة تحضيرية برئاسة " عدلي يكن " وزير المعارف قد أنشئت بهدف قيام جامعة عامة , وصدر تقريرها النهائي عام 1921 , ولكن استقلال مصر عام 1922 جعل التقرير بلا فائدة لعودة التعليم إلى السيطرة المصرية , فشرعت لجنة جديدة برئاسة " إسماعيل حسنين "  في إعادة صياغة تدابير إنشاء جامعة عامة , وقررت اللجنة تحويل مقر الجامعة الأهلية القديم بالفلكي لكلية الآداب , وتم ضم الحقوق والطب للحرم الجامعي الجديد بالجيزة , وإنشاء كلية للعلوم .
صدر مرسوم إنشاء الجامعة العامة في 11 مارس 1925 برئاسة أحمد لطفي السيد , وكان مقدراً لكليتي الآداب والعلوم أن تستكمل الدراسة بهما من مقرهما القديم بقصر الزعفران ( الذي هو الآن مقر جامعة عين شمس ) بضاحية العباسية .

2010-10-23

أنا عايز الجمل بتاعي




في انتظار نتيجة اختيار الحزب الوطني المبجل " بل الندى طرطوره " لمرشحه عن الدوائر في القطر المصري , تتصاعد القلوب لدى الحناجر على الأمل المنشود , وعلى غير المعتاد , نجد أن نتيجة هذا الاختيار هي نتيجة الانتخابات نفسها , حيث ستنتهي المعركة الانتخابية قبل أن تبدأ أساساً , وذلك من خلال قراءة الوقع السياسي في مصر في هذه الفترة .

          كلنا يعلم السيناريو القادم , ولا يخفى على أحدنا أمره , إن الحزب الوطني ليس لديه الوقت للمساومات التي قام بها بعيد الانتخابات السابقة مع المستقلين الفائزين بهدف انضمامهم للحزب , بعد أن أخفق مرشحيه في الحصول على نسبة الأغلبية من مقاعد المجلس الموقر , ففضلت أمانته الجليلة أن تفرض نجاح مرشحيها قبل فتح باب الترشيح , ولعل ذلك يفسر سبب تهافت المرشحين على الانضمام إلى صفوف الحزب إيماناً منهم بأن نتيجة الانتخابات ستحسم بلا شك لمصلحته .... !!!!!

          لمست بنفسي لعبة الانتخابات عن كثب في هذه الفترة , ذلك لأن أحد المقربين إلى قلبي قرر خوض المعركة , وقدم أوراق ترشحه , كما تجري العادة , إلى الحزب , وقام بتوقيع التعهد إياه , وفي الانتظار ...................

          ما لفت نظري هو ذلك التبجح الذي صار " على عينك يا تاجر , واللي ما يشتري يتفرج " , على الملأ .. ودون خجل يتباهى المرشحون بأنفسهم على مريديهم بأنهم هم القادمون في قافلة الحزب على " الجمال " , فتنطلق قافلتهم إلى عنان السماء , حتى يمتلكون " الأهلة "  . صار الأمر " مفقوساً " لدرجة لم أعهدها من قبل في عمري القصير .. ألهذا الحد صرنا " صينية بسبوسة بالقشطة والمكسرات " تتداعي إلينا الأيادي في نهم , وتوضع من أجلنا الخطط الرامية إلى إقصائنا خارج دائرة الإنسانية .... !!!؟؟؟ , ألهذه الدرجة تشيئت أحلامنا وأمانينا فصارت أدوات لحرفيي الفساد ... !!!؟؟؟  , هل انتهى الأمر على ذلك .. أم أنه حلقة في " جنزير " التسلط الضارب حول أعناقنا بـ " مزاجنا " ,... !!!؟؟؟؟

          لذلك , فقد اكتشفت أن الحزب الوطني حزب عريق وقديم , يضرب بجذوره في الماضي حتى زمن المماليك , نعم ...

        كان الحزب الوطني الديمقراطي موجوداً أيام الدولة المملوكية

والمفاجأة الصاخبة أن " المنصور " إبن " عز الدين أيبك " كان مرشح الحزب الوطني عن مقعد العمال ... ومن يشكك في تلك الحقيقة فعليه مشاهدة فيلم " واإسلاماه " , وخصوصاً ذلك المشهد الذي صرخ فيه المنصور في أبيه قائلاً :

" مليش دعوة .. أنا عايز الجمل بتاعي "

طبعاً , سأجد من يقول أن المنصور كان يطالب بـ " الحصان " وليس بـ " الجمل " , أقول له أن الحزب الوطني وقتها كان يرفع رمز الحصان عن مقعد العمال بدلاً من الجمل الآن , وبعدين مش هتفرق كتير ... ما الاتنين كناية عن الشعب

واللبيب بالإشارة يفهم

أحمد عبد الحي شلبي
السبت 
17 - 10 - 2010  

2010-10-17

زيارة السيد الوزير



قبل أن يغادر ناظر المدرسة فنائها تأكد بنفسه من سير الخطة المرسومة بشكل سليم , وراجع عليها عشرات المرات , فغداً باكر زيارة السيد الوزير للتأكد بنفسه من سلامة وجودة التجهيزات للوباء الفتاك أنفلونزا الخنازير .

          ركب الناظر سيارته وقد انزاح عن كاهله القلق كله , نعم , كل القلق , حتى قبل الزيارة , فقد تم رسم اللوحة بنجاح منقطع المثيل , وتم تحديد السيناريو الذي ستسير عليه الزيارة قبل أن تبدأ , وكل القلق يكمن في عملية الرسم هذى , أما الزيارة نفسها فلا خوف منها ولا قلق , مادام الوزير سيسير وفق خطة محددة ومنمقة سلفاً ... !!! , إن القلق الطبيعي في هذه المواقف يبدأ بعد انتهاء الزيارة , حيث تنتهي عملية التقييم التي يقوم بها الوزير الهمام بعد إطلاعه العام والشامل على مجريات الأمور كما هي , وأكرر , كما هي , ولكن في حالتنا هذه يكون التقييم قد صدر بالفعل قبل الزيارة أساساً , انطلاقاً من مبدأ علم المنطق الشهير : " من المقدمات تستخلص النتائج "  , فكيف يكون التقييم في غير صالح المدرسة وناظرها والعمل قائم على قدمٍ وساق منذ أسبوع على الأقل , مع العلم أن الزيارة هي في الأصل مفاجأة ... !!!! كيف يأتي التقييم سلبياً والمدرسة كلها مدرسين وسعاة وطلاباً ومديرين يعملون بلا كلل من أجل " إخفاء " وليس " محو " كل ما يمكن أن يشين إلى سمعة المدرسة وناظرها .. ؟!!! كيف يأتي التقييم سيئاً وقد رسمت تلك العلامات التي ستطأ عليها أقدام الوزير الهمام المباركة ... ؟!!!

          المهم ... حل الصباح ,  وجاء الوزير المبجل , والسيد الناظر تكسو وجهه ابتسامة عريضة تنير الفناء أمامه , ليس تملقاً لا سمح الله , وإنما لاطمئنانه النهائي على حالة المدرسة " المزيفة " قبيل مجئ السيد الدكتور الوزير النائب رجل الأعمال بخمس دقائق , وبدأت التمثيلية , أقصد الجولة , وكأنها بلغة السينما " بلاي باك " لكل ما صُمم و وخُطط سلفاً , وسارت الأحداث كما تنبأ بها الناظر , لا زاد عليها حدث ولا نقص منها موقف .

          ويسير السيد الوزير , وحوله الحاشية , تلك الوجه التي بليت من كثرة ما نُظر إليها , السيد المحافظ والسيد الناظر ومديرين المدرسة وحشد كبير من القيادات الشعبية والمحلية , يسيرون جميعاً وفق سيناريو عالِ الجودة ويصدحون جميعاً في سيمفونية جليلة الصدى .

ولكن ....

ماذا لو قام أحدهم بعزف منفرد وتمكن من القيام بصولو خاص به ... ؟؟

أقول ماذا لو حاول أياً من هؤلاء الخروج عن الركب وقام بحركة خاطفة ومفاجئة ودخل إحدى الغرف التي أغلقت أمام الزوار بحجة أنها لا تزال تحت التحسينات , ووجد في تلك الغرفة مخزناً للكراسي مثلاً أو مرتعاً لمخلفات الطلبة والمدرسين على السواء .... ؟؟؟؟ ماذا لو قرر السيد الوزير أن يعرج بكامل إرادته عن القافلة ليلج إحدى الغرف " الكواليسية " المارقة عن خشبة المسرح .. ؟؟!!! , فمنذ بدأ الزيارة وهو كالطفل , يمسك الناظر بيده والمحافظ بيده الأخرى , فيريانه ما يريدان أن يرياه , ويسمعانه ما يريدان أن يسمعاه , ويدخلانه الأماكن التي يريدان أن يدخلانه فيها , فماذا لو كسر السيد الوزير هذا القيد و حطم هذه العصمة ودخل بنفسه غرفة لم يرد ذكرها بالخطة , أو مرحاضاً تم غلقه ووضع عليه لافتة ترحيب لإخفاء وجوده أساساً , أو غرفة الموسيقى التي تخلو من كل الآلات الموسيقية ووضع على بابها لافتة ( فصل 5 / 2 ) , ولا يوجد بالمدرسة فصل بهذا الإسم أصلاً , أو يدخل غرفة " المقصف " الحقيقية ليست المنمقة المزيفة , تلك التي تعج بالحشرات والفئران ... ؟؟؟ ماذا لو ترك الفناء الشاسع المزدان بالورود ليعبر من خلالها إلى ذلك الممر الضيق بين سور المدرسة ومبانيها , ذلك الممر الذي تُفعل فيه الأفاعيل , وتمارس فيه الممارسات .. كل الأفاعيل وكل الممارسات . ماذا لو أفلت من قبضتهم وقبض بقبضته على كل مقابض الأبواب وفتحها , ورأى ما وراءها .. ما وراء الأبواب .. ؟؟؟!!!

السؤال : ألا يستطيع .. ؟؟؟

          تعودت التماس الأعذار لحكامنا , ويحكمني في حكمي هذا حكمة سمعتها قديماً , وهي – إلى حدٍ ما – صائبة , ومغزاها أنه على الضعيف دوماً أن يهادن ويساير الأمور , على الأقل حتى تنبت أنيابه ويلج في صفوف الأقوياء , وأن يتجنب إغضاب القوي القادر , وقد تفنن أغلب حكامنا في مهادنة الأقوياء , متذرعين بضعفنا وقلة حياتنا , فلا يجب أن نتخذ هذا القرار لأنه سيجلب علينا غضب الدولة العظمى الفلانية , ولا يجب أن ننفذ هذا الأمر لأن الدولة العظمى الفلانية ستصب علينا لعنات العقاب , وللحق , فإن هذه السياسة تفيد في بعض الظروف المتعلقة بالسياسات الخارجية , فكلما اشتط الضعيف بقدرته , وأصر على طلب الحق والعدل والحرية ذهب أدراج الرياح , بوسيلة أو بأخرى , ولنا في ذلك تجارب عشناها بأنفسنا ورأينا الآخرين فيها .

ولكن ...

في أمر كهذا , أمر الشئون الداخلية , هل تصلح تلك السياسة للتطبيق الفعلي , أعني , هل تفيد سياسة مهادنة الأقوياء .. ؟؟؟ لا أعتقد .. حيث أن الأمر برمته متعلق بنا , ولا دخل للدول العظمى الفلانية فيه , هذا مع الإقرار بالارتباط الوثيق بين الشئون الداخلية والشئون الخارجية واقترانهما أحياناً بعلاقة السبب والمسبب , أقول , هل يمكننا التماس العذر لهذا الوزير الذي يأبى إلا أن ينخدع .. ؟؟؟ الحقيقة , لا مجال للمقارنة , فهو الآن بين حاشيته وأتباعه وموظفيه , وليس بين حكامه ورؤسائه ومديريه , مما يعني أنه من السهل جداً عليه أن يثور ويغير ويبدل ويبادر ويسأل ويلح ويعاقب ويهاجم ويكر بعنف وبكل ما أوتي من جهد وقوة وخبرة , مكانه ومكانته يؤهلانه لأن يضرب ويحاور ويناقش ويفلت ويراوغ ويقيم ويصدر أوامر لا التماسات , ويسن قرارات لا طلبات , يفعل كل هذا بسهولة ويسر وبكل اطمئنان على نفسه ومنصبه , فلا أحد من هؤلاء له عليه سلطة أو أمر أو نهي .. ففي السلم الإداري هم خلفه لا أمامه , فلا يسرى عليه ما يسرى على الحاكم الذي يخاف على أمته أو حكومته أو على نفسه من الأقوياء بالخارج .

          أرهقني البحث , ولم أعثر على جواب لسؤال يضرب بجذوره في كبد أمورنا الحياتية الداخلية .. ذلك السؤال البسيط الخانق ... الذي لا يزال مطروحاً ...
                   ألا يستطيع ... ؟؟؟؟

                                                             أحمد عبد الحي شلبي
                                                                       الأحد
                                                                           13 – 12 – 2009


ما وراء زيارة أوباما

جاءت زيارة أوباما للقاهرة , وجاء خطابه من جامعة القاهرة صفعة على وجهي ووجه كل المتفائلين .  بحق , تركتهم في حيرة من أمرهم , حتى أننا عجزنا عن تقييم الخطاب بشكل سليم .

          وها أنا ذا منذ أربعة أيام أحاول جاهداً فهم فحوى الخطاب , كي أتمكن من استخلاص نتائج ومبادئ وروئً من كلماته المعسولة , وكلما أعدت تشغيل الخطاب المسجل فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً , بالفعل كان خطاباً في العلاقات العامة ولم يكن هو ذا المنشود منه , حيث جاء الخطاب عائماً مائعاً لا جديد فيه سوى ما عرفناه من الإعلام الغربي والعربي بشتى وسائله : " أوباما يفتح صفحة جديدة مع العالم العربي والإسلامي " , هذا هو كل ما نستطيع تلمسه من خلال الخطاب , وقد عجبت كثيراً حين رد البعض بأن هذا يكفي , ولا نتوقع غير ذلك , إلا أني أتسائل , إذا كان ذلك كذلك , فلم ضجت وسائل الإعلام بوعود أوباما المقبلة , ولماذا كتبت " هآرتس " و " معاريف " وكل الصحف البريطانية – عدا " الإندبندنت " – عن تفاصيل مبادرة أمريكية تضع نقاطاً كثيرة فوق حروفاً كثيرة , وتؤطر شكل العلاقات بين أمريكا والوطن العربي والإسلامي .. ؟؟؟

ولما كان الخطاب لم يكن ذي أهمية بالنسبة لي , فقد انصرف ذهني للتفكير في أمر آخر , وهو بحث تداعيات الزيارة , وخصوصاً شأن تجميل وتزيين شوارع القاهرة التي هي خط سير الرئيس الأمريكي .

سخر البعض من هذا الأمر , أمر التجميل , وانتقد البعض الآخر أمر الإزالة, إزالة التجميل , وكانت أسباب هؤلاء الناقمين على أمر الإزالة هو أنه لماذا لا يعيش الشعب المصري في حالة من الجمال والنظافة الدائمة ؟؟؟ وللحق , فإن للحكومة تصرف غريب في هذا الأمر , فقد اعتمدت على شركات أجنبية لتزيين الشوارع والمدن وتنظيفها , وليس هذا هو مربط الفرس , وإنما لابد من التركيز على الوعي الجمالي لدى الجمهور , فهذا هو الأساس فيما أعتقد , والدليل أن غرس قيم الجمال بكل تفريعاتها داخل قلب وعقل كل مواطن سيفضي حتماً لنتيجة إيجابية , ويبدو أننا سنتطرق إلى مسألة " الإنتماء " بشكل أو بآخر , إلا أنني أفضل تجنبها .. !!!

          الأمر معقد بعض الشئ , فإن غرس القيم الجمالية في شعب تعود على الإهمال واللامبالاة هو أشبة بحفر مجاري للسيول وسط جبال صخرية بواسطة إبرة حياكة , لذلك كان من الضروري أن تقوم جهات بوضع قوانين صارمة من أجل هذا الشان , وجهات أخرى بتطبيق آليات الردع والعقاب لكل من يخرج عن إطار تلك القوانين , ويراعى في الجهات التنفيذية أن تكون بالصرامة والقوة والبطش التي تؤهلها لتنفيذ ما جاءت من أجله , وهي على كل حال ستكون مرحلة انتقالية حتى يعتاد رجل الشارع على إتباع القوانين دون الخوف من أي جهة رقابية .

          وقد يعترض البعض على أن غرس البذور الجمالية بالقوة أمر مخالف لكل عقائد الحرية في شتى الدول المتحضرة المتحررة , وللحق فإن لهم بعض الحق في اعتراضهم , إلا أنني أعدم أي وسائل أخرى يكون لها ذات الفاعلية في أقصر الأوقات .

==============

          ولفت نظري أمر آخر , الغرض الرئيسي من عملية التزيين نفسها , هل ليلحظ الزائر ذلك التقدم الذي تحيا فيه البلاد .. ؟؟ لا أعتقد , فالجميع يعلم كل شئ عن أي شئ في ظل عصر التقدم التكنولوجي والسماوات المفتوحة , ويعلم المواطن الأمريكي العادي أننا نعاني في القرن الواحد والعشرين من مشكلات القمامة .. !!! فلمَ تذهب الملايين في رسم صورة يعلم كل من يراها أنها مزيفة .. ؟؟!!!
          يبدو أننا نعاني خللاً في طرائق التفكير , ودروب العمل , وأساليب الحياة . ولا إجابة يمكن أن تبرر ذلك الخلل بأي وجه , وإنما نجد الصمت من حولنا يضفي بشراسته لمحة غموض تخيم على حياتنا جميعاً .

أحمد عبد الحي شلبي
الإثنين
8 – 6 – 2009

ميلاد عهد ( 1 )

قلما غادرت المدينة التي أقطن بها , فعملي يجاور منزلي وكلاهما يحيطان بأهلي وأصدقائي , وفي أحدى المرات النادرة التي خرجت فيها لتقديم واجب العزاء في والدة أحد أصدقائي القدامى بمنطقة " صفط اللبن " ألفيت نفسي أمام جامعة القاهرة , تلك الجامعة التي طالت مدة دراستي بها لتصل إلى الثماني أعوام بين الرسوب والفشل , ولأول مرة أرى تلك القبة الأبية بعد تخرجي بشق الأنفس في كلية الآداب , وحين عودتي للمنزل , استخرجت من مكتبتي الصغيرة كتاباً عن تاريخ الجامعة , كنت قد ابتعته منذ عشر سنوات ولم أكلف نفسي عناء مطالعة الفهرس حتى , ولما شرعت في قرائته هالني فيضاً من المعلومات كانت في سترها الطبيعي طي المجهول , وكعادتي , قررت أن أدون بعضها لتصير ملخصاً يصلح مرجعاً حين الحاجة , وكان لزاماً علي أن أقوم بنشره بمدونتي في حلقات علها تفيد البعض ممن يجهلون الكثير عن ذلك الصرح العتي , الدليل والبرهان على قسوة الأقدار على الوطن العتيق .

البداية :

كانت البداية في 21 مارس 1908 , في المبنى الذي تشغله الآن الجامعة الأمريكية بميدان التحرير , وكان لتاجر السجائر اليوناني " نستور جناكليس " , وحينما ضربت الحرب العالمية الأولى بظلالها على مصر أصيبت الجامعة بالانهيار الاقتصادي مما دفعها لتغيير مقرها إلى مبنى آخر بشارع " الفلكي " .. وبشئ من التفصيل .. نقول

 بدأت الجامعة مسيرتها سنة 1908 باسم الجامعة المصرية الأهلية , عارض " اللورد كرومر " بشدة فكرة إنشاء الجامعة , ولم تدخل الفكرة حيز التنفيذ إلا بعد مغادرته مصر وتولي " جروست " منصب المندوب السامي البريطاني . ومن أهم رواد فكرة إنشاء الجامعة :
- أحمد لطفي السيد
- جورجي زيدان
- سعد زغلول
- القاضي ج . أ . مارشال
- أحمد فتحي زغلول ( شقيق سعد زغلول )
- الملك فؤاد ( حين كان لا يزال أميراً )
- محمد حسين هيكل
- قاسم أمين
- يعقوب آرتين
- مصطفى كامل
- محمد عبده

وغيرهم كثيرين , وباختلاف نسب إسهامات كل منهم بالزيادة والنقصان

كانت بداية الدعوة لإنشاء الجامعة عند " يعقوب آرتين " حين ألمح سنة 1894 بأن المدارس المهنية العليا الموجودة في مصر في ذلك الوقت قد تصلح نواة لقيام جامعة , كما يمكننا تلمس البدايات أيضاً في مقالات جورجي زيدان في الهلال سنة 1900 , وأيضاً مقالات محمد عبده في صحيفة اللواء في نفس السنة .
كان ثمة مبادرة من " أحمد باشا المنشاوي " سنة 1905 لإنشاء جامعة في القليوبية وأن يكون الممول الوحيد لها , ولكنه توفي قبل الضلوع في التنفيذ , وأيضاً  كان هناك مشروع لإنشاء الجامعة , ووعد أحد أعيان بني سويف وهو " مصطفى كامل الغمراوي "  بالتبرع بمبلغ 500 جنيه في حالة إنضمام متبرعين آخرين , وبالفعل بدأت التبرعات تنهال في اجتماع عقده سعد زغلول وقاسم أمين بسرايا الأول في 12 أكتوبر 1906 , ولكن كانت المفاجأة بعد إسبوعين حين عين سعد زغلول وزيراً للمعارف , فظل المشروع مجرد فكرة .

كان سعد زغلول يشغل منصب نائب رئيس الجامعة ( قبل تأسيسها ) , حيث تركت اللجنة التأسيسية منصب الرئيس شاغر توقعاً لرعاية ملكية , وبعد تعيين سعد زغلول في الوزارة شغل قاسم أمين منصب رئيس اللجنة , وكان كرومر ( المناهض لفكرة الجامعة ) قد رحل , واستتب الأمر للخديو عباس للاضطلاع  بمهمة رعاية الفكرة , وزاد عدد مندوبي القصر في اللجنة التأسيسية مع تراجع لأعضاء حزب الأمة والحزب الوطني , وكان من اليسير على الخديو وقتها أن يعين ابنه " عبد المنعم " رئيساً شرفياً للجنة , وتولى أربعة أمراء الإدارة الفعلية .. وهم :
الأمير حسين كامل " سلطان مصر فيما بعد " .
الأمير عمر طوسون .
الأمير أحمد فؤاد " ملك مصر فيما بعد " .
الأمير محمد على

ثم تولى الأمير أحمد فؤاد الطموح رئاسة اللجنة أواخر عام 1907 , وإبان فترة رئاسة فؤاد للجامعة , شهد المجلس تغيراً ملحوظاً في إتجاه الأعضاء , فتقلص دور أعضاء حزب الأمة بسبب كبوة سعد زغلول وأحل محلهم أعوان القصر .

2010-10-07

فوق رقعة شطرنج

فوق رقعة شطرنج


**  المنظر الأول  **


( بعد أن صف الرجل وزوجته قطع الجيوش الخشبية على طاولة الشطرنج , قاما لأمرٍ ما .. وسمع صوت صهيل الخيول وزئير الفرسان والجنود آتٍ من أسفل .. حيث يتحدث جندي من جنود الجيش الأبيض لجندي آخر.. من فوق طاولة الشطرنج ....  )

الجندي الأول :           " هامساً " يبدو أنها ليست معركة ككل المعارك , لقد ترك الملك زوجته الملكة في القصر وخرج بدونها , على غير العادة , يبدو أن الأمر يحوي شيئاً غريباً ...!!!
الجندي الآخر :           لا تشغل بالك بهذه الأمور , فما نحن إلا جنوداً نوضع في الأماكن التي يرى قوادنا , ونضرب من يرى قوادنا , ونتقهقر وقتما يشاء قوادنا , ونأكل عندما يجوع قوادنا , فمالنا ومال حياة قوادنا وزوجات قوادنا ..!!!!!
الجندي الأول :           " محتداً " أيها الغبي ..!!! ستظل دوماً جندي ذليل تتحرك عندما يريد قوادك .. ولن تكون أبداً قائداً يتحدث عنك جنودك مثلما تتحدث أنت عن قوادك , ولن ترتقي درجاً واحداً طالما انحشرت رأسك بين تلك الأفكار السوداء الكسولة المتشائمة , إن قوادك الذين تعتبرهم في كوكب آخر يعيشون لم يولدوا على رؤوسهم التيجان , بل حتى لو كان الأمر كذلك .. فإن التيجان على الأقل لم تكن حكراً عليهم , إن هذه الجملة فقط كفيلة بأن تعمق الأمل في نفوسنا, وألا تجلب علينا عواصف اليأس تفتك بأحلامنا , أليس لديك أحلام أيها الجندي ...!!؟؟؟
الجندي الآخر :           " بنبرة حزن " بالطبع .. هل خلق حتى الآن من هو خلوٌ من الأحلام ...!!! لقد كان لدي حلم منذ طفولتي بأن أكون فيلسوفاً , مفكراً , لا تكف تروس عقله عن الدوران , وينصر بقلمه وكلماته الحق متى وأينما وجد .. وقد استعديت لذلك بالفعل .. فعكفت على القراءات الفلسفية لأعلام الفكر , إلا أن جاءني دور التجنيد وقامت الحروب العظيمة والمعارك الطاحنة بيننا وبين الجيش الأسود , وضاعت أحلامي تحت ضربات السيوف , وتبخرت أفكاري أمام الأوامر العسكرية , فأصيبت نفسي بخيبة أمل ويأس دائم لا فكاك منه , فتراني أشكو كلما تذكرته , وألعن كل ما يجول بخاطري .
الجندي الأول :           ولكن هذا ليس سبباً لأن ترتمي كجثة في أحضان اليأس " وابتسم " أم انك تقمصت زرادشت حين قال ( كل إنسان تعجزون عن تعليمه الطيران علموه على الأقل أن يسرع بالسقوط ) .. إنك يا عزيزي لا زلت تحيا , وما دامت أنفك تأخذ من هواء الأرض وتعطيها فالأولى أن يأخذ قلبك من آمال الأرض ويعطيها .
الجندي الآخر :           لا أرى شائبة خطأ في حديثك , ولكنني لم أولد لعشق السيوف وغزل الرماح , لم أخلق لأزهق أرواحاً وأمتطي جياداً وأصيح بصرخات تزلزل الأرض أمام الأعداء " مستفهماً " أتراني كذلك يا زميلي العزيز ..؟؟؟؟
الجندي الأول :           " بصوت يملؤه الشفقة " لا والله يا مسكين .. إنني لا أراك غير منعزل , ارتسمت على شفتاك حروفاً مكتومة , ظننتها الآمال ولكنها في الحقيقة خيبة الآمال , أراك متفكراً , متأملاً , فأظنك شارعاً في خلق نوع جديد من الحياة ... ولكن الحقيقة أن بداخلك معاول اليأس تنسف الحياة من جذورها " بنبرة حماسة " .. ولكن .. ألا ترى أنه قد آن الأوان لترتدي ذلك الزي الذى خلعته عنك منذ سنوات ..؟؟؟؟
الجندي الآخر :           " بتعجب " ماذا تقصد ...؟؟؟؟!!!
الجندي الأول :           ما بالك تخاف العودة لما كنت " مراجعاً نفسه " أو لما كنت تود أن تكون , أترى في حروبنا هذي مفادة لنا ولبلادنا ..؟؟؟؟
الجندي الآخر :           بالطبع لا ... إنها غريزة حب التملك والسيطرة التي اجتاحت قلوب وعقول ملوك وقواد الجيشين , والتي بدأت شرارتها عندما طالب رجل مسكين فقير على حدود المملكتين بحقه في قطعة الأرض المسلوبة منه عندما تم ترسيم الحدود فشطرت بيته إلى نصفين , نصف في مملكة الجنوب .. مملكة النوبة ونصف آخر في مملكة الدلتا , مملكة الشمال .. مملكتنا .. فأعلن ملوك النوبة الحرب , متذرعين ببيت هذا الرجل , في الوقت الذي أعد فيه ملوك الدلتا عدتهم لغزو مملكة الجنوب متذرعين بذات الذريعة , وبقي الحال في المملكتين حروباً قائمة ما يزيد عن سبعة أعوام , تزهق فيها الأرواح , وتولول فيها النساء , وتثكل فيها الأمهات , ويشرد فيها الشيوخ والعجائز بلا عائل .. ترى من ذلك الذي يسكن في صدره قلباً ويرضى بهذه المأساة ...؟؟!!!!!
الجندي الأول :           " بنفس لهجة الحماسة " إذن .. فقد حان الوقت لكي نصحح فيها الأوضاع سوياً , ونقطع عويل النساء , ونرعى الأيتام في كلا المملكتين , ونحفظ للأرض فلاحيها و وخيرها .. تلك الأرض التي جادت علينا بالسلام دوماً , فرويناها بالدماء جزاءاً لها .. الأرض أمنا يا عزيزي .. أرض مصر ...
الجندي الثاني :           " بتعجب بالغ ودهشة عظيمة " أرض مصر ...!!!! أتقصد الأرض موحدة .. أرض المملكتين ...!!!!
الجندي الأول :           " بحماسة " نعم ... ألم أخبرك من قبل عن هؤلاء المتمردين , الذين ارتهنت حياتهم بتحرير تلك الأرض من حكامها , وإنقاذها من هذا الوضع المخجل الذي نحياه .. إنهم مواطنون صالحون , مثلي ومثلك , تطرحهم الأرض كما كانت تطرح ثمارها وقت السلام , يئنون تحت نير العار الذي يتوج هاماتنا جميعاً في مملكة الدلتا ومملكة النوبة .. ويجمعهم ذات الهدف وذات الأمل .
الجندي الآخر :           أؤيدك .. ولكن كيف لنا بنيل الهدف وتحقيق الأمل ... أنت تعلم أنني لا أتردد في نشر السلام والخير في ربوع البلاد ... ولكن كيف .. كيف ...؟؟؟؟
الجندي الأول :           دعني أخبرك ... " ويأخذه جانباً ويبدءا الحديث " .


** المنظر الثاني **

( الملك والوزير في الجيش الأبيض يمشيان فوق رقعة الشطرنج وحولهما الجنود و الخيول والفيلة يتدربون , و قد غرق كلاهما في مناقشة عميقة ....)

الملك :                     ألا ترى أنها مغامرة , وقد تكون غير مأمونة العواقب .. خاصة وقد كشفنا مؤخراً الكثير من الخلايا المناهضة لنظامي ... والتي تحاول التمرد على حكمي ..؟؟؟؟
الوزير :                   مولاي .. لا أدري إن كان حقاً هناك شكاً يحوم حول اقتراحي هذا أم لا .. وإنما كل ما أرى هو ريبة تصدر من ملكنا الجسور في صدق ولاء وزيره المخلص ..!!!!!
الملك :                     أبداً يا وزيري .. وهل لي سبيل إلى ذلك وانا أكثر العالمين بأنه لولاك لما بلغنا تلك المرحلة من المجد والسلطة , والسيطرة ... ولكن كل مخاوفي باعثها خطر المتمردين أو تخاذل الجنود حين نشرع في تنفيذ الخطة ...!!!!
الوزير :                   لا خوف يا مولاي ... لا خوف .. لقد تدبرت أموري بهذا الشأن , وزرعت عيوناً وآذاناً لي في كل حبة رمل فوق تلك الرقعة " بنبرة فخر ودهاء " وأعلم جيداً من المخلص .. ومن الخائن ...!!!!
الملك :                     " يضحك ضحكة يملؤها الخبث " في كل لحظة أتيقن من أنني لم أفشل في اختياري لك وزيراً ... أيها الوزير الداهية ...!!!!
الوزير :                   تعلم يا مولاي أن ما يحركني هو ولائي لك , وإخلاصي لأرض الدلتا .. وأهلها " يغير نبرة صوته الهادئة ويتحدث بحماسة الفارس الجسور " والآن .. أود أن أعرف ملاحظاتك حول ما اقترحته لجلالتك .
الملك :                     أعتقد أنك أحكمت وضع الخطة التي سنختتم بها سجل انتصاراتنا في بلاد النوبة , فبعد أن وصلنا إلى أسوان لم يتبق لنا سوى القليل لنقض على تلك المملكة الواهنة .. ولكن .. أخشى ما أخشاه هو أن نلقي بكل جنودنا وعدتنا وعتادنا في وطيس معركة واحدة , حتى أننا لن نترك لقلعة الجبل وعاصمة الحكم سوى حامية بسيطة لا تقوى حتى على دفع ثورة قليل من المتمردين الغوغاء ..!!!!
الوزير :                   مولاي .. لقد قلت منذ لحظات إنها المعركة الأخيرة في سجل انتصاراتنا .. أوَ يضن ملكنا على تلك المعركة الحاسمة بهذا العدد من الجنود الذين سيجلبون لنا نصراً أخيراً .. هذا النصر الذي سيرفع اسم ملك الدلتا إلى لقب .. ملك مصر .....!!!!!
الملك :                     " وقد راح في شرود زهو اللقب , وأخذ يتمتم بصوت كالهمس " ملك مصر .. ملك مصر .. نعم , نعم .. لا أبخل على هذا اللقب " ويفيق " أأ .. أ .. أقصد .. هذا النصر... " بلهجة حماسية " إذن .. فلتتحرك الجيوش .. إلى النصر يا عزيزي ...!!!
الوزير :                   " بدهاء " إلى النصر يا مليكي ...!!!!



** المنظر الثالث **

( في الجانب الآخر من الرقعة يقف الجيش الأسود متراصاً , وفي الأمام وقف الملك والوزير يتحدثان ....)

الملك :                     " وقد بدا عليه التوتر والقلق القاتلان " ما العمل إذن يا وزير ... !!!! لقد بدأ العد التنازلي ... والمملكة .. المملكة إلى زوال يا وزير ... إلى زوال ..!!!!
الوزير :                   هون عليك يا ملك النوبة .. هون عليك ..!!!
الملك :                     " بحسرة " ملك ..!!! أي ملك  ..!!!  ما عاد هناك ملك ... وما عادت هناك سوى نوبة اليأس التي فتكت بنا , وامتطت جواد الموت لتعصف بكل ما بنيناه ..!!!
الوزير :                   ما زال هناك أمل يا مولاي ... لقد علمتنا الصبر والاستبسال حتى النفس الأخير .. ولا زلنا قبل هذا النفس!!
الملك :                     بل لقد أوشك هذا النفس على الصعود من صدري ... ماذا بقي لنا من مُلك يا وزير " بصوت يخالجه البكاء والغيظ " هه .. ماذا بقي لنا ..؟؟!!!! " يأتي جندي "
الجندي :                   " مخاطباً الوزير " أيها القائد .. لقد تم القبض على خلية من المتمردين , وقد أودعناهم سجن الحرب بأقصى الجنوب .. " يشير إليه الوزير بالانصراف و يطرق في حزن وقلق ووجهه يكسوه الهم "
الملك :                     " وقد ازداد غيظه " هلم .. هلم يا كوارث .. أهذا وقت التمرد .. أنواجه الداخل المتمرد .. أم الخارج الغازي ... ؟؟!!!!!
الوزير :                   " يحاول تهدئة الملك " رفقاً يا مولاي ..!!!!
الملك :                     " يصيح صيحة يتحشرج بها صوته " أي رفق .. أي رفق يا وزير .. لقد انهرنا تحت أعمدة المعابد " تتقدم الملكة ممتطية جواداً يحيط بها مجموعة من الحرس فتقف أمام الملك وتترجل عن الجواد وينصرف الحرس "
الوزير :                   لقد حضرتِ في أنسب حين يا مولاتي .. هوني على مليكنا أمره .. فلقد قطع معه اليأس أشواطاً " ينحني مستأذناً بالذهاب ويتقهقر بظهره " سأذهب لأتفقد الجيش .
الملك :                     أرأيتي يا مليكتي ما يحدث .. لقد أصبحنا وهماً .. أصبحنا ذكرى تطوف بالعقول .. ياللمصيبة , ياللمصيبة ..!!!
الملكة :                    " بنبرة شفقة تشوبها الشماتة " تجلد أيها الملك .. فإنك لا زلت ملكاً ...!!!
الملك :                     " وقد راعه ما سمع وحملق بعينيه في وجه الملكة " أو متأكدة أنت من أن هذا اللقب سيزول عني ... أجلاً أم عاجلاً ..؟؟!!!!
الملكة :                    لست أنا ... إنما هو ولدك ...!!!
الملك :                     " في تعجب ودهشة " ولدي ....!!!!!
الملكة :                    لقد أعد عدة كبيرة من المتمردين في البلاد والقرى , وجهز جيشاً كبيراً واحتل به جنوب المملكة , وعرض علي أن أنضم إلى صفوفه ....
الملك :                     " نظر إليها نظرة ارتياب ولم ينبس بكلمة "
الملكة :                    " تبتسم ابتسامة ذات مغزى وكأنها تعتصر كمداً " لا تقلق يا عزيزي .. لقد أبيت , وجئت لأخبرك ..
الملك :                     وكيف علمتِ بكل ذلك ..؟؟؟
الملكة :                    أرسل لي ولدك رسالة أخبرني فيها بكل ما حدث " تصمت قليلاً وتتابع " وأرسل إليك أيضاً .. رسالة .. " وتناوله الرسالة , فيأخذها ويفضها ويشرع في قراءتها وقد كست وجهه صفرة الرمال , بينما تتابع الملكة كلامها وهي تحاول منع الدموع من أن تنهمر من عينيها " إنه غرورك أيها الملك .. إنه كبريائك , عنادك , حبك للسيطرة والتملك , إنه الظلم والجور ... لقد أضاع كل هذا ملكك .. وأضاع ولدي ... ولدي ... " وتجهش بالبكاء , ويسود الصمت لوقت ليس بكثير , حتى فرغ الملك من قراءته للرسالة . هوت يديه بجانبه فلا يقوى على رفعهما , بينما تحاول الملكة التجلد ومتابعة الحديث " كم من مرة حاول فيها ابنك أن يقوم سلوكك , أن يحملك على التحلي بالعدل لتنال محبة شعبك ...!!!! كم من الأصوات ارتفعت باكية تحت أقدامك تستحثك على كف حلقات الرعب المتصلة , وويلات الظلم المتتالية ...!!! ولكنك كنت أغلظ القلوب على وجه الأرض , فلا ترق ولا تحنو ... والآن .. فقد هويت أيها الملك .. وتفتت أحلامك تحت صيحات المتمردين والغزاة .. ومع كل هذا " تتغير لهجتها لتنبئ بعطف وحنو بالغان " سأظل معك , لا لإنني زوجتك التي رأت معك كل ألوان الأيام والليالي  , ولكن لإنني أحبك , سأحيا معك ملكةً أو أمة ... أو حتى أموت ... أرأيت يا عزيزي .. إنه الحب الذي سيبقيني بجانبك .. الحب ... لو كان شعبك أحبك لما تركك .. بل لكان صبر معك وآزرك , وخرج بك من الأزمات ... ولكن من يزرع كرهاً لا يحصد سوى ثماره ... " تذهب الملكة وتختفي , ويحاول الملك بصعوبة أن يفض الرسالة ليقرأها ثانية بصوت متهدج ...
                             " أبي العزيز /    ملك النوبة   ...
                                      هذا أنا .. إبنك البار المخلص , الذي حاول مراراً إنقاذك من نفسك , نفسك التي طالما صدتني وأسكتتني وهزمتني , لتتحدث هي بحديثها المعسول فتملأ الدنيا أمام ناظريك بزهو المجد والشهرة والسلطة , وأنت كالمسحور تلبي ندائها فتلقي بأبناء شعبك الذي آمنك على أرواحه في أوج نيران المعارك , ولا تهتم سوى بالانتصار , ولا تهتم سوى بأحلام الغزو والاجتياح .. والآن يا أبتِ .. ترى .. ماذا ستفعل بعد أن تيقنت أنها كانت مجرد أحلام , ماذا ستفعل وأنت ترى نفسك مكبلاً بالقيود والأصفاد , مساقاً إلى تعذيب وإذلال وامتهان , هذا الإذلال الذي طالما أذقته لشعبك الكادح الذي يحب بلاده , ويصيح بثوراته , علها تفيقك من أوهامك , ولكنها لا تزيدك إلا عنداً وقسوة ... أبي ... لا زلت حتى الآن أطلب منك .. بل أستجديك أن تنصت لنداء الواجب والعدل , لا تزال هناك القلوب التي أحبتك يوماً , فستعذرك وتحترمك .. كملك ... أرجوك يا أبي أن تعود أدراجك إلى بلادنا ... وأعدك يا أبي أن شعبك سيصفح عنك صفحاً جميلاً يليق بمقامه العظيم , ولكنني لا أستطيع إلا أن أؤكد لك أن النوبة لن يحكمها سوى أبنائها , لن يحمها سوى أبنائها ... إبنك المخلص لبلاده  .. ولك . " يقرأ الملك الرسالة ولا يتمالك نفسه من البكاء ويدخل عليه الوزير ويفاجأ بمنظره , فيأخذ منه الرسالة ويفضها ليقرأها سريعاً وينظر إلى الملك ولا ينبس بكلمة "
الملك :                     أرأيت يا وزير .. هذا ولدي ... هذا ولدي ...!!!!!
الوزير :                   اصمد يا مولاي .. اصمد .. لقد حملت لك نبأً قد يكون ساراً
الملك :                     " يطرق حزيناً ويتمتم " هذا ولدي .. هذا ولدي ...
الوزير :                   لقد سمعت خبراً مؤكداً وصل لتوه من صفوف الأعداء , لقد بلغت ثورة المتمردين أوجها في بلاد الدلتا , وسيطرت على أغلب البلدان , وأصبح الجيش الأبيض محاصراً بين المتمردين داخل البلاد , والأعداء خارج البلاد , نحن يا مولاي .. نحن.. وأرى أنها فرصة سانحة لنا لكي نوجه ضربة قاصمة للجيش في معركة فاصلة .. نقضي بها على .....
الملك :                     " مقاطعاً وقد كفكف دموعه وتجلد " اسمع يا وزير , ونفذ كل ما سأقوله لك دون أن تناقشني , ستذهب الآن وتصدرأوامرك للجيش بالعودة إلى بلادنا ...
الوزير :                   " مقاطعاً في دهشة " مولاي ...!!!!
الملك :                     " صائحاً بحدة " لا تقاطعني , ستأمره بالعودة إلى الديار , والمشاركة صفاً بصف مع المتمردين .. أقصد .. " ويبدأ صوته في الوهن " أقصد مع المواطنين الشرفاء أصحاب هذه الأرض .
الوزير :                   " بلهجة استجداء " ولكن يا مولاي ....
الملك :                     " متابعاً " وليقولوا لهم أن بلادكم في خطر ... وأن مليككم .. أقصد من كان يوماً ما حاكماً ظالماً مستبداً قد مات , وهلموا لإنقاذ أرضكم .. أنقذوا أرضكم .. هيا اذهب .
الوزير :                   " بخنوع " أمرك يا مولاي ... " يذهب الوزير مسرعاً لتنفيذ ما طلب الملك , بينما يمتطي الملك جواده ويركض به بعيداً حتى يختفي عن الأنظار "



** المنظر الرابع **

( وبعد مرور أربعة أيام , يقف ملك الدلتا ووزيره في أرض المعركة الخاوية ...)

الوزير :                   " في دهشة " رحماك يا الله ..!!! وكأن حال الدنيا قد انقلب في أربعة أيام ...!!!!
الملك :                     " في ثورة عارمة وغيظ بالغ " ما العمل الآن ..؟؟؟!!! لقد انقلب الجيش كله علينا .. والأمر من ذلك .. آه .. الأدهى تلك الثورة العارمة الزاحفة علينا من بلادنا .. إنهم الثوار يا وزير .. أين ومتى .. وكيف تكونت تلك القوة .. أخبرني .. كيف يا وزير .. ألم تكن تختال بأن لك عيوناً وآذاناَ بعدد رمال صحراء تلك الرقعة ... أين هي عيونك يا أعمى .. أين آذانك يا أصم ... ؟؟!!!!!
الوزير :                   إهدأ يا مولاي .. لا أدري ولا أتخيل من أين لهذا الكم من الثوار والمتمردين الغوغاء بتلك القوة والنظام والترتيب .. وكأن أهل الدلتا وأهل النوبة قد اتحدوا على هلاكك يا مولاي ..!!!!
الملك :                     هلاكي ... !! هلاكي وحدي ..!!! وأنت .. أين أنت من كل هذا .. ستتناوبنا أنياب الهلاك يا وزير .. !!!
الوزير :                   " هامساً " أصمت .. أصمت ... " يسمع صوت صهيل خيول آتية " تعال في صمت نستتر وراء هذه الصخرة " ويختفيان وراء صخرة بجانب أحد الطوابي , ويظهر الجنديان من الجيش الأبيض "
الجندي الآخر :           لا أصدق ما حدث ويحدث .. أتصدق أنت يا زميلي ..؟؟!!!!
الجندي الأول :           نعم .. بالطبع أصدق .. وكيف لي ألا أصدق .. ألم تخبرك الفلسفة يا صديقي المفكر أن القيمة العليا والمثال الحقيقي لابد له وأن يطغى في النهاية على المثال المزيف , ألم تصل بتأملاتك إلى أن الحق قيمة لابد أن تمحو كل آثار الكذب والطغيان ..!!!إنها النهاية الطبيعية لعصر الظلم , لقد ثار المواطنون على ملك النوبة وخلعوه وحكم البلاد أبنائها , وها نحن قد خلعنا ملكنا وهرب هو ووزيره , ولم يبق لهما أثر , اتحد المواطنين من جنوب الأرض وشمالها على تخليص البلاد من البطش و الاستبداد ..
الجندي الآخر :           نعم .. إن الثائر على الظلم يثور عليه في أي مكان وفي أي وقت , إن أهل النوبة لم يكونوا مطلقاً من أهالي الدلتا , ولم يشعروا مطلقاً بالظلم الواقع على أهل الدلتا , ولكنهم ثاروا على الملك بحماسة لا تقل عن حماستنا ..
الجندي الأول :           وقد تركونا وعادوا إلى بلادهم ليشاركوا في إعمار بلادهم وبنائها من جديد , متحدين تحت لواء تلك الروح الجديدة التي أحياها ابن ملك النوبة المخلوع , هذا الفتى الذي ثار على الظلم بالرغم من أنه لم يتجرعه مثلما تجرعه الشعب المسكين , ونبذ حياة الرغد والملك وهبط إلى صفوف العامة ليزيح عن الشعب غمته التي صنعها ونسج خيوطها والده ..
الجندي الآخر :           آآآه .. صدقت ... ليس شرطاً أن يتذوق الإنسان مرارة الطغيان ليثور عليه , يكفي أن يعرف فقط أن ثمة طغياناً فيستيقظ ضميره , وتتحرك لديه معاول التمرد ..
الجندي الأول :           وها نحن نخرج من ظلمة الفساد , ونقف على أعتاب عصراً جديداً , لا ظلم به , ولا تمرد ... فسيسلم لكل شعب مقاليد حكم مملكته , فيحكم الدلتا أبنائها , ويحكم النوبة أبنائها ...
الجندي الآخر :           " وقد بدا عليه القلق , فيصمت مفكراً للحظات ثم يقول " ولكن .. ألا تساورك شكوكاً يا عزيزي ...؟؟
الجندي الأول :           " مستفهماً " مم ..؟؟!!
الجندي الآخر :           ما الذي يضمن لنا أن حكام الدلتا , أو النوبة , الذين هم أهلها أنهم سيحكمون بمبادئ العدل والحرية والمساواة التي أقرتها الثورة ..؟!!! ألا يرد افتراضاً أنهم من الممكن أن يتحولون عنها بعد أن تلمع في عيونهم أضواء السلطة وبريق المجد , ونعود من حيث بدأنا ..!!؟ " يطرق الجندي الأول مفكراً في هذا الحديث , وكأنما أقلقه كثيراً , ويومئ له برأسه وكأنه يتفق معه في ظنه , ويروح في تفكير عميق وقلق أعمق . بينما صوت سقوط حجر يشق هذا الصمت فيفيق كلاهما من تأملاته , ويهرولون نحو صوت الحجر الذي سقط من وراء صخرة فيجدون ملكهم ووزيرهم مختبئين وقد كست وجوههم صفرة , ويحاولا الفرار فيلحق بهما الجنديين "
الملك :                     " في استجداء " أرجوكما اتركانا .. اتركانا نهرب ... لقد حصلتم على ما تريدون .. فما الفائدة من قتلكم إيانا ... ؟؟!!!
الوزير :                   " متفحصاً وجه الجندي الفيلسوف " أنت أيها الجندي , ألم تكن مطيعاً أثناء خدمتك العسكرية , لقد كنت الأكثر خضوعاً , وكنت تنفذ ما تؤمر به دون جدال .. ما الذي حاق بك ..؟؟؟
الجندي الأول :           حدث له مثلما حدث للكثيرين غيره , أفاقوا جميعاً مثلما أفاق هذا الملك الظالم في غير الوقت المناسب , هذا الملك الذي أفاق من هذا المخدر الذي كنت  تروي به أذنيه كل مساء , وتغشي به عينيه كل صباح وتسقطه في بئر نفسه العميق وهو يمشي , وهو يقف , وهو جالس , وهو نائم .. هذا المخدر الذي أضحى إدماناً , لا يكف هذا المغرور عن تعاطيه " ويشير إلى الملك " هذه هي نتيجة إدمانك أيها الملك " ويشير إلى الوزير " وهذه هي نتيجة تخديرك له أيها الوزير .
الملك :                     " مستجدياً " نعم .. نعم .. لقد تم تخديري .. لقد خدعت .. خدعني هذا الشيطان الماكر .. إنني ضحية .. تماماً مثلكما .. فاتركاني وخذوه .. كبلوه وعذبوه .. إنه الجاني ...
الجندي الآخر :           لا يا مليكنا المهزوم ..!!! ليس هو الجاني .. بل ذاك الضمير الأسود الذي عهدناه في فترة حكمك البائد , ذاك القلب المتعفن الذي فاحت رائحته النتنة لتعبث بنفسك التي صارت خادمة لشهواتك وملذاتك وغرائزك الدنيئة , أحببت السلطة عن حبك للعدل والحق , فهويت وهوى معك الخير بداخلك , فلم تر سوى سلطانك الذي يخول لك سفك الدماء وهتك الأعراض وإفشاء الظلم والاستبداد " ويحيل عينيه إلى الوزير " وهذا الوزير الذي حركته مطامعه , ما كان يدريك أنه لن يفتك بك في أي وقت ليثب هو إلى عرش الحكم مكانك ..؟؟!!!!
الوزير :                   ماذا بك أيها الجندي الطيب , لقد كنت مضرب المثل في الانعزال والطيبة .. لم تكن تتفوه بكلمة الدماء , أين الانكسار والهوان واليأس الذي كان يملأ نبرات صوتك ..؟؟؟!!!!
الجندي الآخر :           أو ترى أن ما ذاقه الشعب من هوان وانكسار ويأس لا يحرك الحجر الأصم ليصرخ ( لا ) , " يبتسم الجندي في شماتة " ولكن لا عجب .. فإنك لم تشعر بما شعر به الشعب من ظلم , وأنا لست صخراً أيها السفاح , إنني إنسان , ومواطن مخلص لبلاده , ولم أكن أكره في حياتي شيئاً مثلما كرهت منظر السيوف والدماء .. ولا زلت ... ولكن إذا كان السيف هو السبيل إلى الخلاص من الطغيان , فإنني لن أتردد مطلقاً " ويستل الجندي سيفه بقوة ويغمده في قلب الملك ووجهه ممتلئ بالحماسة والزهو , بينما يضرب الجندي الأول عنق الوزير بسيفه في غضب عارم "

" وبعد فترة , عثر على جثة ملك النوبة في الصحراء وقد تعفنت , وصارت غذاءاً للنسور والوحوش , بينما تم القبض على ملك الدلتا وأودع سجن القلعة , بأمر من المحكمة الشعبية التي غاب عنها ولده .. "

( عاد الرجل وزوجته فوجدا الملكان والوزيران ملقيان فوق الرقعة , بينما تراصت باقي القطع من طوابي وخيول وفيلة في انتظام , ووقف الجنود مصطفين يملؤهم الشموخ والعزة , وكأنهم ينتظرون معركة جديدة , مع ملك جديد .)


تمت

أحمد عبد الحي شلبي
الأربعاء
 1 / 12 / 2004