الخلفية
المعرفية لدى القائلين بضرورة وجود اقتصاد إسلامي :
-------------
قامت وجهة النظر القائلة
بوجود هذا الاقتصاد من منطلق المقابلة بين ما هو ديني وما هو دنيوي , تلك المقابلة
التي نشأت بالضرورة عن أن الإسلام " دين ودنيا " فهو بجانب كونه عقيدة
روحية , فهو أيضاً تشريع دنيوي . ويرى الإسلام – أو رجاله – أن هذا الدين يتميز في
هذه النقطة عن سائر الأديان التي جاءت جزئية ومحددة , ومجردة من الطابع العمومي
الشمولي الذي اتسم به الإسلام .أي أن هذه الأديان لما كانت غير صالحة للتطبيق
العملي على الأرض , فقد اعتمدت سياسة الفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي , لافتقار
متونها إلى التشريع الدنيوي أصلاً , على عكس الإسلام .
والحقيقة
أن وجهة النظر تلك لا تجد لها في التاريخ سنداً :
أولاً / لأن حالة الفصل تلك التي زعموا أنها
انتابت سائر الأديان لم تتحقق إلا في فرنسا فقط , وعلى فترات متقطعة وفي ظروف
بعينها .
ثانياً / إنه من الطبيعي في حالة سيطرة دين ما , أو
إيديولوجية ما , على شئون الحياة في أي مكان , فإنه سيتجه نحو صبغ كافة مناحي
الواقع المادي بصبغة تخدم اتجاهها العام . ولعل هذا ما قامت به الكنيسة التي
اعتمدت سياسات اقتصادية لخدمة سلطانها , بل وأقامت محاكم للتفتيش كتدخل صارخ في
توجيه العقل الأوروبي آنذاك .
قصدت
مما سبق الوقوف على حقيقة مجردة , مفادها :
إن عملية الدمج /
الفصل هي عملية دنيوية بحتة تفرضها المصالح الحالية وظروف التاريخ والمجتمع , ول
علاقة لوحي السماء بهذا الأمر . فكافة الأديان تحاول تسويغ العالم وفقاً لرؤيتها ,
فتلجأ للفصل أو الدمج كآليات لهذا التسويغ .
===========================
يمكن
رد أسباب فشل قيام اقتصاد إسلامي في العصور الكلاسيكية الإسلامية إلى :
·
تداخل موضوعات الاقتصاد مع موضوعات علوم أخرى كالفقه والأدب والبلاغة
والشعر والفلسفة
·
عدم نضج الظواهر الاقتصادية نفسها .
·
عدم ظهور مفكرين اقتصاديين معبرين عن طبقة أو قوى اجتماعية معينة .
وبالحديث عن القوى
الاقتصادية التي تسهم بشكل أساسي في تكوين نظام اقتصادي ما , فإننا سنختتم هذه
الورقة برؤية متواضعة عن تاريخ ومستقبل هذه القوى في ظل اقتصاد إسلامي :
إن أنسب الفئات
الاجتماعية التي قد تضطلع بمهمة إرساء قواعد لعلم الاقتصاد الإسلامي هي فئة "
البرجوازية الصغيرة " , فهي القوة الاجتماعية الوحيدة التي رفضت – بعد تردد
وتذبذب – الانزلاق في المشروعات الوطنية المجهضة " الليبرالية " و
" الشمولية " , وظلت كذلك حتى وجدت ضالتها في البديل الثالث : الإسلامي
. هذا الاقتصاد الذين يحاولون جاهدين خلقه خلقاً ليحتضن واقعهم المأزوم , والذي
تجلى – من خلال براجماتية واضحة – في تخبطهم الدائم بين المشروعات الليبرالية
حيناً والمشروعات الشمولية أحياناً أخرى .
=================================
خــــــــاتـــــــــمـــــــــــــة :
لقد افترض منظري
الاقتصاد الإسلامي المزعوم أن شرارة النهضة العربية لابد وأن تنطلق من أساس
اقتصادي , وعلى ذلك بدأت آدابهم وأبواقهم في التشكل والنفير .
وإن كان ثمة ما يدعم هذه الفرضية , فإننا نتبنى
وجهة نظر مغايرة تماماً , فالنهضة العربية المنتظرة , والقادمة لا محالة ,لا بد
وأن تبدأ بالعقل أولاً .... تحرير العقل وإطلاق حرية الإبداع والأفكار والتعبير .
ولا شك في أن مثل هذه الشعارات والمبادئ لن تكون أبداً مستساغة من قبل القائلين
بالاقتصاد الإسلامي , ذلك الاقتصاد الذي يفترض شرعية وجوده إنكار ورفض الآخر ,
والذي افترض منظريه بادئ ذي بدء تصادماً قادماً لا محالة بينه وبين سائر الأنظمة
الاقتصادية , في الوقت الذي تتجه فيه العقلية العالمية نحو البحث عن أساليب
التكامل و سبل التعاون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق