2012-10-14

وهم الاقتصاد الإسلامي ... خلفية معرفية




الخلفية المعرفية لدى القائلين بضرورة وجود اقتصاد إسلامي :

-------------


قامت وجهة النظر القائلة بوجود هذا الاقتصاد من منطلق المقابلة بين ما هو ديني وما هو دنيوي , تلك المقابلة التي نشأت بالضرورة عن أن الإسلام " دين ودنيا " فهو بجانب كونه عقيدة روحية , فهو أيضاً تشريع دنيوي . ويرى الإسلام – أو رجاله – أن هذا الدين يتميز في هذه النقطة عن سائر الأديان التي جاءت جزئية ومحددة , ومجردة من الطابع العمومي الشمولي الذي اتسم به الإسلام .أي أن هذه الأديان لما كانت غير صالحة للتطبيق العملي على الأرض , فقد اعتمدت سياسة الفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي , لافتقار متونها إلى التشريع الدنيوي أصلاً , على عكس الإسلام .

والحقيقة أن وجهة النظر تلك لا تجد لها في التاريخ سنداً :

أولاً / لأن حالة الفصل تلك التي زعموا أنها انتابت سائر الأديان لم تتحقق إلا في فرنسا فقط , وعلى فترات متقطعة وفي ظروف بعينها .
ثانياً / إنه من الطبيعي في حالة سيطرة دين ما , أو إيديولوجية ما , على شئون الحياة في أي مكان , فإنه سيتجه نحو صبغ كافة مناحي الواقع المادي بصبغة تخدم اتجاهها العام . ولعل هذا ما قامت به الكنيسة التي اعتمدت سياسات اقتصادية لخدمة سلطانها , بل وأقامت محاكم للتفتيش كتدخل صارخ في توجيه العقل الأوروبي آنذاك .

قصدت مما سبق الوقوف على حقيقة مجردة , مفادها :

إن عملية الدمج / الفصل هي عملية دنيوية بحتة تفرضها المصالح الحالية وظروف التاريخ والمجتمع , ول علاقة لوحي السماء بهذا الأمر . فكافة الأديان تحاول تسويغ العالم وفقاً لرؤيتها , فتلجأ للفصل أو الدمج كآليات لهذا التسويغ .

===========================

يمكن رد أسباب فشل قيام اقتصاد إسلامي في العصور الكلاسيكية الإسلامية إلى :

·      تداخل موضوعات الاقتصاد مع موضوعات علوم أخرى كالفقه والأدب والبلاغة والشعر والفلسفة
·      عدم نضج الظواهر الاقتصادية نفسها .
·      عدم ظهور مفكرين اقتصاديين معبرين عن طبقة أو قوى اجتماعية معينة .

وبالحديث عن القوى الاقتصادية التي تسهم بشكل أساسي في تكوين نظام اقتصادي ما , فإننا سنختتم هذه الورقة برؤية متواضعة عن تاريخ ومستقبل هذه القوى في ظل اقتصاد إسلامي :

إن أنسب الفئات الاجتماعية التي قد تضطلع بمهمة إرساء قواعد لعلم الاقتصاد الإسلامي هي فئة " البرجوازية الصغيرة " , فهي القوة الاجتماعية الوحيدة التي رفضت – بعد تردد وتذبذب – الانزلاق في المشروعات الوطنية المجهضة " الليبرالية " و " الشمولية " , وظلت كذلك حتى وجدت ضالتها في البديل الثالث : الإسلامي . هذا الاقتصاد الذين يحاولون جاهدين خلقه خلقاً ليحتضن واقعهم المأزوم , والذي تجلى – من خلال براجماتية واضحة – في تخبطهم الدائم بين المشروعات الليبرالية حيناً والمشروعات الشمولية أحياناً أخرى .




=================================




خــــــــاتـــــــــمـــــــــــــة :

لقد افترض منظري الاقتصاد الإسلامي المزعوم أن شرارة النهضة العربية لابد وأن تنطلق من أساس اقتصادي , وعلى ذلك بدأت آدابهم وأبواقهم في التشكل والنفير .

 وإن كان ثمة ما يدعم هذه الفرضية , فإننا نتبنى وجهة نظر مغايرة تماماً , فالنهضة العربية المنتظرة , والقادمة لا محالة ,لا بد وأن تبدأ بالعقل أولاً .... تحرير العقل وإطلاق حرية الإبداع والأفكار والتعبير . ولا شك في أن مثل هذه الشعارات والمبادئ لن تكون أبداً مستساغة من قبل القائلين بالاقتصاد الإسلامي , ذلك الاقتصاد الذي يفترض شرعية وجوده إنكار ورفض الآخر , والذي افترض منظريه بادئ ذي بدء تصادماً قادماً لا محالة بينه وبين سائر الأنظمة الاقتصادية , في الوقت الذي تتجه فيه العقلية العالمية نحو البحث عن أساليب التكامل و سبل التعاون .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق